[ إظهار ] المحتوى
الشاعر صفي الدين الحلي
صَفي الدِّين الحِلّي
هو أبو المحاسن عبد العزيز بن سرايا بن نصر الطائي السِّنبِسي، نسبة إلى سِنبِس. ولد في الحِلّة في العراق سنة ٦٧٧ هجري ١٢٧٧ ميلادي، وإليها نُسِب ومات في بغداد سنة ٧٥٢ هجري ١٣٣٩ ميلادي.
أُولِع بنظم الشِّعر منذ أن شبَّ عن طوقه، وأخذ على نفسه ألّا يمدح كريماً، وألّا يهجو لئيماً، فكأنه على حدّ قوله : لم ينظم شعراً إلّا فيما يوجب له ذكراً أو يجلب له شكراً
كوصفِ حربٍ ورصفِ شَربٍ
ولطفِ عَتبٍ لقَلبِ قلبِ
وذكْرِ إلفٍ وشُكرِ عُرْفٍ
وبكرِ وصفٍ ونَدبِ نَدبِ
وقال :
وأعرضتُ عن مدحِ الأنامِ ترفّعاً
سوى مَعشري إذ كان مجديَ منهمُ
وقلتُ لقولِ ابنِ الحُسينِ مُوَرّياً :
إذا كان مدحٌ فالنّسيبُ المُقدَّمُ
كان صفي الدين شيعيّاً قحّاً، وشيعيّته شديدة البروز في شعره، وكان فارساً شجاعاً، ولمّا فقد الأمر في الحلّة، ووقعت فيها حروب بين أهل هولاكو من أجل العرش، خاض صفي الدين غمارها فأظهر بطولة وشجاعة، يتم عليهما شعره. وكان عربيّاً صافي العروبة، وتظهر في شعره نعرته العربيّة القويّة، وتحمّسه لقومه، وبثّه فيهم روح الأنفة والطموح، وهذه مزية لم تكن لشاعر سواه في ذلك العهد، لفقدان الأمن، وتستّر الشعراء في تلك الفتن والحروب.
على أن تلك الفتن ما لبثت أن حملته على الرحيل إلى آل أُرتُق ملوك ديار بكر بن وائل، فمدح الملك المنصور نجم الدين أبا الفتح غازي بتسع وعشرين قصيدة، كلّ منها تسعة وعشرون بيتاً على حرف من حروف المعجم بدأ كلّ بيت منها به، وبه ختمه، وسمّاها : ( دُرر النحور في مدائح الملك المنصور )، وسمّيت أيضاً بالروضة، وهي المعروفة بالأُرتُقيات، وهذه القصائد وإن تكن تدلّ على مقدرته اللغوية وخصب شاعريته يشوبها كثير من التكلّف والمغالاة بتكرار القوافي وتقلقل بعضها في أماكنها.
ثمّ اتصل بالسلطان المؤيّد عماد الدين إسماعيل ابن الملك الأفضل أيوب، فمدحه، ثمّ بابنه شمش الدين أبي المكارم.
ولمّا اشتدّت ورثّ حبل الأمن رحل آلى مصر، فقرّبه سلطانها الملك الناصر فمدحه بعدة قصائد دعاها بالمنصوريّات. وجمع ديوانه في مصر بإشارة من ناصر الدين محمّد بن قلاوون رئيس وزراء السلطان الناصر.
كان في شعره كثير التصنّع والتكلّف لأنواع البديع، والألغاز، وقد نظم قصيدة في البحر البسيط عدد أبياتها مئة وخمسة وأربعون بيتاً، سمّاها : ( الكافية البديعيّة في المدائح النبويّة ) جمع فيها أنواع المحسّنات اللّفظيّة والمعنويّة، وفتح بها طريق نظم البديعيّات لمن جاء بعده.
ولعلّه أوّل شاعر من شعراء عصره تفنّن في أوزان الشعر فنظم موشّحات منها ما اتبع فيه، ومنها ما ابتدعه، فجاء بشيء جديد في تلك الأيّام التي سادها التقليد، وله قصيدة ظريفة تدلّ على نفوره من الألفاظ الغريبة التي يمجها الذوق.
وكان مولعاً بتسميط قصائد الأقدمين، فعله بقصيدة السموآل بن عادياء اليهودي المشهورة، التي مطلعها : إذا المرء لم يدنس من اللّؤم عرضه.
وقد اشتهر بوصفه لمجالس اللهو والأُنس، وبوصف مظاهر الطبيعة؛ وله زهريّة جميلة مشهورة مطلعها :
وَرَدَ الربيعُ فمَرحباً بوُرُوده
وبنورِ بهجَتِهِ ونورِ ورودِهِ
ويستدلّ من الأبواب التي وضعها في ديوانه على أنّه لم يترك فنّاً من فنون الشعر إلا نظم فيه. ومهما يكن الأمر فصفي الدين أشعر شعراء عصر الانحطاط، وقبسٌ متّقد فيهم، وشعره قويّ السبك، رائق الديباجة لم ينحط فيه إلى المبتذل شأن متشاعري ذلك العهد.
بحث: شهد ريحاوي