منتدى اليمامة الأدبي منتدى اليمامة الأدبي
recent

آخر الأخبار

recent
random
جاري التحميل ...

أغراض الشعر

[ إظهار ] المحتوى

 



أغراض الشعر:

 كان الشعر ولا يزال صنعة العرب وفخرها وأدبها الذي لا يساويه أدب

فقد نشأ الشعر منذ القدم وتطوير عبر العصور وتشعبت أغراضه وفنونه

وتعددت تصنيفات الشعر واختلفت من ناقد إلى آخر ولعل أدق هذه التصنيفات تصنيف النقد عبد الكريم النهشلي (ناقد من نقاد القيروان في القرن الخامس) وملخص قوله:

يجمع أصناف الشعر أربعة: المديح، والهجاء، والحكمة، واللهو،

 ثم يتفرع عن كل صنف عن ذلك فنون؛

 ‏ فيكون من المديح المراثي والافتخار والشكر،

 ‏ ويكون من الهجاء الذم والعتاب والاستبطاء،

ويكون من الحكمة الأمثال والتزهيد والمواعظ،

ويكون من اللهو الغزل والطرد وصفة الخمر والمخمور.

 

وفيما يلي مختصر مفيد عن كل غرض من أغراض الشعر الرئيسية وما تيسر من فنونه:

 

 

1)   المديح:

 

      وأكثر من يكون في مديح الملوك والوزراء وجودته في أن تنزل بكل ممدوح ما يليق به من الصفات فلا تمدح الملك بما يُمدح يه العامة ولا ترفع من هو مم عامة الناس في مديحهم فتكون قد هجوته

وَيجود به اللفظ القوي الفخم أكثر من اللفظ اللين الرقيق

وقد برز غرض المديح في العصر الأموي لدى الفحول الثلاثة جرير والأخطل والفرزدق وكان أمدحهم كما قيل هو الأخطل وفي العصر الجاهلي كان الأعشى أكثرهم مديحا وقد اتصل بالملوك العرب والعجم كما فضّل عمر بن الخطاب رضي الله عنه زهير في أنه لم يكن يمدح رجلا إلا بما فيه وبما تمدح به الرجال واستمر هذا الغرض في العصر العباسي ومن شعراءه ابو تمام الذي لُقّبَ بالمدّاحِ النوّاحْ لأنه أكثر من مدح الملوك ورثاء الموتى وتلميذه البحتري كما مدح كل من ابن الرومي وأبو الطيب وغيرهم الكثير

وقد مدح النابغة الذبياني بني غسان فقال فيهم:

 

كِليني لِهَمٍّ يا أُمَيمَةَ ناصِبِ

وَلَيلٍ أُقاسيهِ بَطيءِ الكَواكِبِ

 

تَطاوَلَ حَتّى قُلتُ لَيسَ بِمُنقَضٍ

وَلَيسَ الَّذي يَرعى النُجومَ بِآئِبِ

 

وَصَدرٍ أَراحَ اللَيلُ عازِبُ هَمِّهِ

تَضاعَفَ فيهِ الحُزنُ مِن كُلِّ جانِبِ

 

عَلَيَّ لِعَمروٍ نِعمَةٌ بَعدَ نِعمَةٍ

لِوالِدِهِ لَيسَت بِذاتِ عَقارِبِ

 

حَلَفتُ يَميناً غَيرَ ذي مَثنَوِيَّةٍ

وَلا عِلمَ إِلّا حُسنُ ظَنٍّ بِصاحِبِ

 

لَئِن كانَ لِلقَبرَينِ قَبرٍ بِجِلَّقٍ

وَقَبرٍ بِصَيداءَ الَّذي عِندَ حارِبِ

 

وَلِلحارِثِ الجَفنِيَّ سَيِّدِ قَومِهِ

لَيَلتَمِسَن بِالجَيشِ دارَ المُحارِبِ

 

وَثِقتُ لَهُ بِالنَصرِ إِذ قيلَ قَد غَزَت

كَتائِبُ مِن غَسّانَ غَيرُ أَشائِبِ

 

بَنو عَمِّهِ دُنيا وَعَمروُ بنُ عامِرٍ

أولَئِكَ قَومٌ بَأسُهُم غَيرُ كاذِبِ

 

إِذا ماغَزوا بِالجَيشِ حَلَّقَ فَوقَهُم

عَصائِبُ طَيرٍ تَهتَدي بِعَصائِبِ

 

يُصاحِبنَهُم حَتّى يُغِرنَ مُغارَهُم

مِنَ الضارِياتِ بِالدِماءِ الدَوارِبِ

 

تَراهُنَّ خَلفَ القَومِ خُزراً عُيونُها

جُلوسَ الشُيوخِ في ثِيابِ المَرانِبِ

 

جَوانِحَ قَد أَيقَنَّ أَنَّ قَبيلَهُ

إِذا ما اِلتَقى الجَمعانِ أَوَّلُ غالِبِ

 

لَهُنَّ عَلَيهِم عادَةٌ قَد عَرَفنَها

إِذا عُرِّضَ الخَطِّيُّ فَوقَ الكَواثِبِ

 

عَلى عارِفاتٍ لِلطِعانِ عَوابِسٍ

بِهِنَّ كُلومٌ بَينَ دامٍ وَجالِبِ

 

إِذا اِستُنزِلوا عَنهُنَّ لِلطَعنِ أَرقَلوا

إِلى المَوتِ إِرقالَ الجِمالِ المَصاعِبِ

 

فَهُم يَتَساقَونَ المَنيَّةَ بَينَهُم

بِأَيديهِمُ بيضٌ رِقاقُ المَضارِبِ

 

يَطيرُ فُضاضاً بَينَها كُلُّ قَونَسٍ

وَيَتبَعَها مِنهُم فَراشُ الحَواجِبِ

 

وَلا عَيبَ فيهِم غَيرَ أَنَّ سُيوفَهُم

بِهِنَّ فُلولٌ مِن قِراعِ الكَتائِبِ

 

تُوُرَّثنَ مِن أَزمانِ يَومِ حَليمَةٍ

إِلى اليَومِ قَد جُرِّبنَ كُلَّ التَجارِبِ

 

تَقُدَّ السَلوقِيَّ المُضاعَفَ نَسجُهُ

وَتوقِدُ بِالصُفّاحِ نارَ الحُباحِبِ

 

بِضَربٍ يُزيلُ الهامَ عَن سَكِناتِهِ

وَطَعنٍ كَإيزاغِ المَخاضِ الضَوارِبِ

 

لَهُم شيمَةٌ لَم يُعطِها اللَهُ غَيرَهُم

مِنَ الجودِ وَالأَحلامُ غَيرُ عَوازِبِ

 

مَحَلَّتُهُم ذاتُ الإِلَهِ وَدينُهُم

قَويمٌ فَما يَرجونَ غَيرَ العَواقِبِ

 

رِقاقُ النِعالِ طَيِّبٌ حُجُزاتُهُم

يُحَيّونَ بِالريحانِ يَومَ السَباسِبِ

 

تُحَيّهِمُ بَيضُ الوَلائِدِ بَينَهُم

وَأَكسِيَةُ الإِضريجِ فَوقَ المَشاجِبِ

 

يَصونونَ أَجساداً قَديماً نَعيمُها

بِخالِصَةِ الأَردانِ خُضرِ المَناكِبِ

 

وَلا يَحسَبونَ الخَيرَ لا شَرَّ بَعدَهُ

وَلا يَحسِبونَ الشَرَّ ضَربَةَ لازِبِ

 

حَبَوتُ بِها غَسّانَ إِذ كُنتُ لاحِقاً

بِقَومي وَإِذ أَعيَت عَلَيَّ مَذاهِبي

 

 
      الرثاء:

فإذا جاوزت الغرض الأساسي من المديح إلى الرثاء والمراثي وجدت الرثاء في ثلاث ذكر صفات المرثي الحميدة ومدحه ثم البكاء عليه وبيان الحزن على فراقه وبعد ذلك التصبر والتعزي بأن الموت قدر لكل حي لا مفر منه.

وأشهر من اشتهر في المراثي هي الخنساء في رثاء أخيها صخر ولا أعلم شاعرا بلغ الرثاء من شعره ما بلغه من شعرها.

كما تجد اشتهر من المرثي رثاء جرير لزوجته ورثاؤه للفرزدق ومرثية مالك بن الريب في رثاء نفسه ومراثي ابن الرومي.

وفيما يأتي رثياء الخنساء لأخيها صخر إذ تقول:

 

يُؤَرِّقُني التَذَكُّرُ حينَ أُمسي

فَأُصبِحُ قَد بُليتُ بِفَرطِ نُكسِ

 

عَلى صَخرٍ وَأَيُّ فَتىً كَصَخرٍ

لِيَومِ كَريهَةٍ وَطِعانِ خلسِ

 

وَلِلخَصمِ الأَلَدُّ إِذا تَعَدّى

لِيَأخُذَ حَقَّ مَظلومٍ بِقِنسِ

 

فَلَم أَرَ مِثلَهُ رُزءً لِجِنٍّ

وَلَم أَرَ مِثلَهُ رُزءً لِإِنسِ

 

أَشَدَّ عَلى صُروفِ الدَهرِ أَيداً

وَأَفصَلَ في الخُطوبِ بِغَيرِ لَبسِ

 

وَضَيفٍ طارِقٍ أَو مُستَجيرٍ

يُرَوَّعُ قَلبُهُ مِن كُلِّ جَرسِ

 

فَأَكرَمَهُ وَآمَنَهُ فَأَمسى

خَلِيّاً بالُهُ مِن كُلِّ بُؤسِ

 

يُذَكِّرُني طُلوعُ الشَمسِ صَخراً

وَأَذكُرُهُ لِكُلِّ غُروبِ شَمسِ

 

وَلَولا كَثرَةُ الباكينَ حَولي

عَلى إِخوانِهِم لَقَتَلتُ نَفسي

 

وَلَكِن لا أَزالُ أَرى عَجولاً

وَباكِيَةً تَنوحُ لِيَومِ نَحسِ

 

أَراها والِهاً تَبكي أَخاها

عَشِيَّةَ رُزئِهِ أَو غِبَّ أَمسِ

 

وَما يَبكونَ مِثلَ أَخي وَلَكِن

أُعَزّي النَفسَ عَنهُ بِالتَأَسّي

 

فَلا وَاللَهِ لا أَنساكَ حَتّى

أُفارِقَ مُهجَتي وَيُشَقُّ رَمسي

 

فَقَد وَدَّعتُ يَومَ فِراقِ صَخرٍ

أَبي حَسّانَ لَذّاتي وَأُنسي

 

فَيا لَهفي عَلَيهِ وَلَهفَ أُمّي

أَيُصبِحُ في الضَريحِ وَفيهِ يُمسي

 

      الافتخار:

أما الافتخار فينظمه الشاعر مفتخرا بنفسه أو بقومه وبأي انتماء آخر له كحزب أو قبيلة ويكون بتعداد مفاخره والمبالغة بها ورفع نفسه أو قومه على غبره من الورى

ولعل أول قصائد الفخر هي معلقة عمرو بن كلثوم جمهرة بني تغلب في الحادثة المشهورة ولما كانت العرب تتصف بالكبرياء والشموخ نشأ غرض الفخر منذ نشأة العرب واستمر في العصور التي تليها وبلغ من أشعار الفرزدق وجرير والأخطل فلا تكاد تخلو قصيدة لهم من فخر أو مديح وكان الفرزدق أفخرهم كما يُقال

ومن قصائد الفخر قول الفرزدق:

 

إِنَّ الَّذي سَمَكَ السَماءَ بَنى لَنا

بَيتاً دَعائِمُهُ أَعَزُّ وَأَطوَلُ

 

بَيتاً بَناهُ لَنا المَليكُ وَما بَنى

حَكَمُ السَماءُ فَإِنَّهُ لا يُنقَلُ

 

بَيتاً زُرارَةُ مُحتَبٍ بِفِنائِهِ

وَمُجاشِعٌ وَأَبو الفَوارِسِ نَهشَلُ

 

يَلِجونَ بَيتَ مُجاشِعٍ وَإِذا اِحتَبوا

بَرَزوا كَأَنَّهُمُ الجِبالُ المُثَّلُ

 

لا يَحتَبي بِفِناءِ بَيتِكَ مِثلُهُم

أَبَداً إِذا عُدَّ الفَعالُ الأَفضَلُ

 

مِن عِزِّهِم جَحَرَت كُلَيبٌ بَيتَها

زَرباً كَأَنَّهُمُ لَدَيهِ القُمَّلُ

 

ضَرَبَت عَلَيكَ العَنكَبوتَ بِنَسجِها

وَقَضى عَلَيكَ بِهِ الكِتابُ المُنزَلُ

 

أَينَ الَّذينَ بِهِم تُسامي دارِماً

أَم مَن إِلى سَلَفي طُهَيَّةَ تَجعَلُ

 

يَمشونَ في حَلَقِ الحَديدِ كَما مَشَت

جُربُ الجِمالِ بِها الكُحَيلُ المُشعَلُ

 

وَالمانِعونَ إِذا النِساءُ تَرادَفَت

حَذَرَ السِباءِ جِمالُها لا تُرحَلُ

 

يَحمي إِذا اِختُرِطَ السُيوفُ نِساءَنا

ضَربٌ تَخِرُّ لَهُ السَواعِدُ أَرعَلُ

 

وَمُعَصَّبٍ بِالتاجِ يَخفِقُ فَوقَهُ

خِرَقُ المُلوكِ لَهُ خَميسٌ جَحفَلُ

 

مَلِكٌ تَسوقُ لَهُ الرِماحَ أَكُفُّنا

مِنهُ نَعُلُّ صُدورَهُنَّ وَنُنهِلُ

 

قَد ماتَ في أَسلاتِنا أَو عَضَّهُ

عَضَبٌ بِرَونَقِهِ المُلوكَ تُقَتَّلُ

 

 

 

      الشكر:

فإذا بلغت الشكر وجدته مدحا وثناءً لكن وهب الشاعر شيءاً أو أسدى له خدمة فأثنى الشاعر على عمله ومدحه ومنه قول المتنبي في صباه وقد أهداه عبد الله بن خلكان هدية فيها سمك من لوز وسكر وعسل:

 

قَد شَغَلَ الناسَ كَثرَةُ الأَمَلِ

وَأَنتَ بِالمَكرُماتِ في شُغُلِ

 

تَمَثَّلوا حاتِماً وَلَو عَقَلوا

لَكُنتَ في الجودِ غايَةَ المَثَلِ

 

أَهلاً وَسَهلاً بِما بَعَثتَ بِهِ

إيهاً أَبا قاسِمٍ وَبِالرُسُلِ

 

هَدِيَّةٌ ما رَأَيتُ مُهديها

إِلّا رَأَيتُ العِبادَ في رَجُلِ

 

أَقَلُّ ما في أَقَلِّها سَمَكٌ

يَلعَبُ في بِركَةٍ مِنَ العَسَلِ

 

كَيفَ أُكافي عَلى أَجَلِّ يَدٍ

مَن لا يَرى أَنَّها يَدٌ قِبَلي

 

 

وعلى ما تقدم تجد المديح في أربع فروع:

المديح: وهو أن يمدح الشاعر غيره من الأحياء

الافتخار: وهو أن يمدح الشاعر نفسه أو قومه

الرثاء:وهو مديح المتوفى

الشكر: هو ثناء ومديح من الشاعر على من أعطاه أو سانده

 

2)   الهجاء:

      والهجاء عكس المديح وهو أن يعدد الشاعر الصفات السيئة في من يهجوه ويقبح منه خَلقاً أو خُلقاً

وبلغ هذا الغرض أوجه في العصر الأموي في نقائض جرير والأخطل والفرزدق فقد احتد الهجاء بينهم واستمر حتى توخت المنية الأخطل ثم الفرزدق وبعدهما جرير وقد كان أفضلهم هجاءً كما قيل

ثم استمر في العصر العباسي بعد أن نشأ في الجاهلية وإذا لم يكن الهجاء كنقائض الثلاثة فخرا وذمّاً شديدا أكثره في الوقائع والحروب كان أجوده ما فيه طرفة تضحك كنا قال الجرجاني في الوساطة وتجود فيه الألفاظ القوية والفخمة حاله حال المديح

 

ومن قصائد جرير في هجاء الفرزدق قوله:

 

لِمَنِ الدِيارُ كَأَنَّها لَم تُحلَلِ

بَينَ الكِناسِ وَبَينَ طَلحِ الأَعزَلِ

 

وَلَقَد أَرى بِكَ وَالجَديدُ إِلى بِلىً

مَوتَ الهَوى وَشِفاءَ عَينِ المُجتَلي

 

نَظَرَت إِلَيكَ بِمِثلِ عَينَي مُغزِلٍ

قَطَعَت حِبالَتَها بِأَعلى يَليَلِ

 

وَإِذا اِلتَمَستَ نَوالَها بَخِلَت بِهِ

وَإِذا عَرَضتَ بِوُدِّها لَم تَبخَلِ

 

وَلَقَد ذَكَرتُكِ وَالمَطِيُّ خَواضِعٌ

وَكَأَنَّهُنَّ قَطا فَلاةٍ مَجهَلِ

 

يَسقينَ بِالأُدَمى فِراخَ تَنوفَةٍ

زُغباً حَواجِبُهُنَّ حُمرَ الحَوصَلِ

 

يا أُمَّ ناجِيَةَ السَلامُ عَلَيكُمُ

قَبلَ الرَواحِ وَقَبلَ لَومِ العُزَّلِ

 

وَإِذا غَدَوتِ فَباكَرَتكِ تَحِيَّةٌ

سَبَقَت سُروحَ الشاحِجاتِ الحُجَّلِ

 

لَو كُنتُ أَعلَمُ أَنَّ آخِرَ عَهدِكُم

يَومُ الرَحيلِ فَعَلتُ ما لَم أَفعَلِ

 

أَو كُنتُ أَرهَبُ وَشكَ بَينٍ عاجِلٍ

لَقَنَعتُ أَو لَسَأَلتُ ما لَم يُسأَلِ

 

أَعدَدتُ لِلشُعَراءِ سُمّاً ناقِعاً

فَسَقَيتُ آخِرَهُم بِكَأسِ الأَوَّلِ

 

لَمّا وَضَعتُ عَلى الفَرَزدَقِ مَيسَمي

وَضَغا البَعيثُ جَدَعتُ أَنفَ الأَخطَلِ

 

أَخزى الَّذي سَمَكَ السَماءَ مُجاشِعاً

وَبَنى بِناءَكَ في الحَضيضِ الأَسفَلِ

 

بَيتاً يُحَمِّمُ قَينُكُم بِفَنائِهِ

دَنِساً مَقاعِدُهُ خَبيثَ المَدخَلِ

 

وَلَقَد بَنَيتَ أَخَسَّ بَيتٍ يُبتَنى

فَهَدَمتُ بَيتَكُمُ بِمِثلَي يَذبُلِ

 

إِنّي بَنى لِيَ في المَكارِمِ أَوَّلي

وَنَفَختَ كيرَكَ في الزَمانِ الأَوَّلِ

 

أَعيَتكَ مَأثُرَةُ القُيونِ مُجاشِعٍ

فَاِنظُر لَعَلَّكَ تَدَّعي مِن نَهشَلِ

 

وَاِمدَح سَراةَ بَني فُقَيمٍ إِنَّهُم

قَتَلوا أَباكَ وَثَأرُهُ لَم يُقتَلِ

 

وَدَعِ البَراجِمَ إِنَّ شِربَكَ فيهِمُ

مُرٌّ عَواقِبُهُ كَطَعمِ الحَنظَلِ

 

إِنّي اِنصَبَبتُ مِنَ السَماءِ عَلَيكُمُ

حَتّى اِختَطَفتُكَ يا فَرَزدَقُ مِن عَلِ

 

مِن بَعدِ صَكَّتِيَ البَعيثَ كَأَنَّهُ

خَرَبٌ تَنَفَّجَ مِن حِذارِ الأَجدَلِ

 

وَلَقَد وَسَمتُكَ يا بَعيثُ بِمَيسَمي

وَضَغا الفَرَزدَقُ تَحتَ حَدِّ الكَلكَلِ

 

حَسبُ الفَرَزدَقِ أَن تُسَبَّ مُجاشِعٌ

وَيَعُدَّ شِعرَ مُرَقِّشٍ وَمُهَلهِلِ

 

طَلَبَت قُيونُ بَني قُفَيرَةَ سابِقاً

غَمرَ البَديهَةِ جامِحاً في المِسحَلِ

 

قُتِلَ الزُبَيرُ وَأَنتَ عاقِدُ حُبوَةٍ

قُبحاً لِحُبوَتِكَ الَّتي لَم تُحلَلِ

 

لا تَذكُروا حُلَلَ المُلوكِ فَإِنَّكُم

بَعدَ الزُبَيرِ كَحائِضٍ لَم تُغسَلِ

 

أَبُنَيَّ شِعرَةَ لِم تَسُدُّ طَريقَنا

بِالأَعمَيَينِ وَلا قُفَيرَةَ فَاِزحَلِ

 

وَلَقَد تَبَيَّنَ في وُجوهِ مُجاشِعٍ

لُؤمٌ يَثورُ ضَبابُهُ لا يَنجَلي

 

وَلَقَد تَرَكتُ مُجاشِعاً وَكَأَنَّهُم

فَقعٌ بِمَدرَجَةِ الخَميسِ الجَحفَلِ

 

إِنّي إِلى جَبَلَي تَميمٍ مَعقِلي

وَمَحَلُّ بَيتي في اليَفاعِ الأَطوَلِ

 

أَحلامُنا تَزِنُ الجِبالَ رَزانَةً

وَيَفوقُ جاهِلُنا فَعالَ الجُهَّلِ

 

فَاِرجِع إِلى حَكَمَي قُرَيشٍ إِنَّهُم

أَهلُ النُبُوَّةِ وَالكِتابِ المُنزَلِ

 

فَاِسأَل إِذا خَرَجَ الخِدامُ وَأُحمِشَت

حَربٌ تَضَرَّمُ كَالحَريقِ المُشعَلِ

 

وَالخَيلُ تَنحِطُ بِالكُماةِ وَقَد رَأوا

لَمعَ الرَّبيئَةِ في النِيافِ العَيطَلِ

 

أَبَنو طُهَيَّةَ يَعدِلونَ فَوارِسي

وَبَنو خَضافِ وَذاكَ ما لَم يُعدَلِ

 

وَإِذا غَضِبتُ رَمى وَرائِيَ بِالحَصى

أَبناءُ جَندَلَتي كَخَيرِ الجَندَلِ

 

عَمروٌ وَسَعدٌ يا فَرَزدَقُ فيهِمُ

زُهرُ النُجومِ وَباذِخاتُ الأَجبُلِ

 

كانَ الفَرَزدَقُ إِذ يَعوذُ بِخالِهِ

مِثلَ الذَليلِ يَعوذُ تَحتَ القَرمَلِ

 

وَاِفخَر بِضَبَّةَ إِنَّ أُمَّكَ مِنهُمُ

لَيسَ اِبنُ ضَبَّةَ بِالمُعَمِّ المُخوَلِ

 

وَقَضَت لَنا مُضَرٌ عَلَيكَ بِفَضلِنا

وَقَضَت رَبيعَةُ بِالقَضاءِ الفَيصَلِ

 

إِنَّ الَّذي سَمَكَ السَماءَ بَنى لَنا

بَيتاً عَلاكَ فَما لَهُ مِن مَنقَلِ

 

أَبلِغ بَني وَقبانَ أَنَّ حُلومَهُم

خَفَّت فَما يَزِنونَ حَبَّةَ خَردَلِ

 

أَزرى بِحِلمِكُمُ الفِياشُ فَأَنتُمُ

مِثلُ الفَراشِ غَشينَ نارَ المُصطَلي

 

تَصِفُ السُيوفَ وَغَيرُكُم يَعصى بِها

يا اِبنَ القُيونِ وَذاكَ فِعلُ الصَيقَلِ

 

وَبِرَحرَحانَ تَخَضخَضَت أَصلأؤُكُم

وَفَزِعتُمُ فَزَعَ البِطانِ العُزَّلِ

 

خُصِيَ الفَرَزدَقُ وَالخَصاءُ مَذَلَّةٌ

يَرجو مُخاطَرَةَ القُرومِ البُزَّلِ

 

هابَ الخَواتِنُ مِن بَناتِ مُجاشِعٍ

مِثلَ المَحاجِنِ أَو قُرونَ الأَيِّلِ

 

قَعَدَت قُفَيرَةُ بِالفَرَزدَقِ بَعدَما

جَهَدَ الفَرَزدَقُ جُهدَهُ لا يَأتَلي

 

أَلهى أَباكَ عَنِ المَكارِمِ وَالعُلى

لَيُّ الكَتائِفِ وَاِرتِفاعُ المِرجَلِ

 

أَبلِغ هَدِيَّتِيَ الفَرَزدَقَ إِنَّها

ثِقَلٌ يُزادُ عَلى حَسيرٍ مُثقَلِ

 

إِنّا نُقيمُ صَغا الرُؤوسِ وَنَختَلي

رَأسَ المُتَوَّجِ بِالحُسامِ المِقصَلِ

 

      الذم:

أما الذم فهو لغة كشَف مَعايبَ فلان ولامه، أَبْدى بشأنه رأيًا غير مُسْتحسَن أو حُكْمًا اسْتِنكاريًّا

ونعلم من هذا أن الفرق بين الهجاء والذم أن الهجاء يكون بكل صفة مرذولة وكل حادثة مشينة يعير بها الشاعر غيره أوجدت في المهجو أم لم توجد على عكس الذم فهو إبراز مهايب المذموم فبشترط أن تكون الصفة موجودة في المذموم والله أعلم في هذا

ومن الذم قول النابغة الذبياني:

 

فَإِن يَكُ عامِرٌ قَد قالَ جَهلاً

فَإِنَّ مَظِنَّةَ الجَهلِ الشَبابُ

 

فَكُن كَأَبيكَ أَو كَأَبي بَراءٍ

تُوافِقكَ الحُكومَةُ وَالصَوابُ

 

وَلا تَذهَب بِحِلمِكَ طامِياتٌ

مِنَ الخُيَلاءِ لَيسَ لَهُنَّ بابُ

 

فَإِنَّكَ سَوفَ تَحلُمُ أَو تَناهى

إِذا ما شِبتَ أَو خابَ الغُرابُ

 

فَإِن تَكُنِ الفَوارِسُ يَومَ حِسيٍ

أَصابوا مِن لِقائِكَ ما أَصابوا

 

فَما إِن كانَ مِن نَسَبٍ بَعيدٍ

وَلَكِن أَدرَكوكَ وَهُم غِضابُ

 

فَوارِسُ مِن مَنولَةَ غَيرُ ميلٍ

وَمُرَّةَ فَوقَ جَمعِهِمُ العُقابُ

 

 

      العتاب:

والعتاب يكون في لوم المعاتَب على عمل أحدثه واستنكاره فلا يشمل ذم المعاتَب وذكر مثالبه كما هو الهجاء والذم ومن العتاب قول ابن زيدون:

 

أَشمَتِّ بي فيكِ العِدا

وَبَلَغتِ مِن ظُلمي المَدى

 

لَو كانَ يَملِكُ فِديَةً

مِن حُبُّكِ القَلبُ افتَدى

 

كُنتِ الحَياةَ لِعاشِقٍ

مُذ حُلتِ أَيقَنَ بِالرَدى

 

لَم يَسلُ عَنكِ وَلَو سَلا

لَعَذَرتُهُ فَبِكِ افتَدى

 

ضَيَّعتِ عَهدَ مَحَبَّةٍ

كَالوَردِ سامَرَهُ النَدى

 

أَينَ اِدِّعاؤُكِ لِلوَفاءِ

وَما عَدا مِمّا بَدا

 

 

      الاستبطاء:

أما الاستبطاء فهو رد المعني بالقول عن أمر يريد فعله فلا بشمل هجاءً ولا ذمّاً ولا عتاباً إنما هو دعوة للتريث والتمهل ومن هذا قول لبيد بن ربيعة:

 

يا رب هيجا هي خير من دعة

نحن بني أم البنين الأربعه

 

ونحن خير عامر بن صعصعه

المطعمون الجفنة المدعدعه

 

والضاربون الهام تحت الخيضعه

مهلاً أبيت اللعن لا تأكل معه

 

 

وهكذا نجد أن الهجاء يكون في أربعة:

الهجاء : وهو ذكر مثالب المهجو وعيوبه وقد يشمل مبالغة وتحامل على المهجو

الذم: وهو كشَف مَعايبَ المذموم وصفاته السيئة بلا مبالغة وتحامل

العتاب: وهو لوم المعاتَب على أمر أحدثه واستنكار فعله

الاستبطاء: رد المعني بالقول عن أمر يريد فعله

 

 

 

3)   الحكمة:

والحكمة هي تجارب الحياة وما استفاده المرء منها من تحاربه الخاصة أو من تجارب غيره ومن المعروف من الحكم يوردها الشاعر في القصيدة بعدة قوالب منها الحكمة والأمثال والتزهيد والمواعظ

فالحكمة في الشعر هي إيراد الحكمة خبرا كما هي والأمثال تكون في الأمثال السائرة كقول المتنبي

ما كل ما يتمنى المرء يدركه

تجري الرياح بما لا تشتهي السفن

والتزهيد هي ذكر فناء هذه الحياة وقصر الحياة وتزهيد السامع بها ورده عن الاعجاب بالحياة وملذاتها

أما المواعظ فهي نصائح يوردها الشاعر بصيغة المخاطب فيعض السامع وينصحه بالصواب

وخير مثال عن القصيدة الجامعة لفنون الحكمة هي القصيدة الزينبية:

 

صَرَمتِ حِبالَكِ بَعدَ وَصلَكِ زَينَبُ

وَالدَهرُ فيهِ تَصَرُّمٌ وَتَقَلُّبُ

 

نَشَرَت ذاوئِبَها الَّتي تَزهو بِها

سوداً وَرَأسُكَ كَالنَعامَةِ أَشيَبُ

 

وَاِستَنفَرَت لَما رَأَتكَ وَطَالَما

كانَت تَحِنُّ إِلى لُقاكَ وَتَرهَبُ

 

وَكَذاكَ وَصلُ الغانِياتِ فَإِنَّهُ

آلٌ بِبَلقَعَةٍ وَبَرقٍ خُلَّبُ

 

فَدَعِ الصِبا فَلَقَد عَداكَ زَمانُهُ

وَاِزهَد فَعُمرُكَ مِنهُ وَلّى الأَطيَبُ

 

ذَهَبَ الشَبابُ فَما لَهُ مِن عَودَةٍ

وَأَتى المَشيبُ فَأَينَ مِنهُ المَهرَبُ

 

ضَيفٌ أَلَمَّ إِلَيكَ لَم تَحفَل بِهِ

فَتَرى لَهُ أَسَفاً وَدَمعاً يَسكُبُ

 

دَع عَنكَ ما قَد فاتَ في زَمَنِ الصِبا

وَاُذكُر ذُنوبَكَ وَاِبكِها يا مُذنِبُ

 

وَاِخشَ مُناقَشَةَ الحِسابِ فَإِنَّهُ

لا بُدَّ يُحصي ما جَنَيتَ وَيَكتُبُ

 

لَم يَنسَهُ المَلَكانِ حينَ نَسيتَهُ

بَل أَثبَتاهُ وَأَنتَ لاهٍ تَلعَبُ

 

وَالرُوحُ فيكَ وَديعَةٌ أَودَعتُها

سَنَرُّدها بِالرَغمِ مِنكَ وَتُسلَبُ

 

وَغَرورُ دُنياكَ الَّتي تَسعى لَها

دارٌ حَقيقَتُها مَتاعٌ يَذهَبُ

 

وَاللَيلَ فَاِعلَم وَالنهارَ كِلاهُما

أَنفاسُنا فيها تُعَدُّ وَتُحسَبُ

 

وَجَميعُ ما حَصَّلتَهُ وَجَمَعتَهُ

حَقّاً يَقيناً بَعدَ مَوتِكَ يُنهَبُ

 

تَبّاً لِدارٍ لا يَدومُ نَعيمُها

وَمَشيدُها عَمّا قَليلٍ يُخرَبُ

 

فَاِسمَع هُديتَ نَصائِحاً أَولاكَها

بَرٌ لَبيبٌ عاقِلٌ مَتَأَدِّبُ

 

صَحِبَ الزَمانَ وَأَهلَهُ مُستَبصِراً

وَرَأى الأُمورَ بِما تَؤوبُ وَتَعقُبُ

 

أَهدى النَصيحَةَ فَاِتَّعِظ بِمَقالِهِ

فَهُوَ التَقِيُّ اللَوذَعيُّ الأَدرَبُ

 

لا تَأمَنِ الدَهرَ الصَروفَ فَإِنَّهُ

لا زالَ قِدماً لِلرِجالِ يُهذِّبُ

 

وَكَذَلِكَ الأَيّامُ في غَدَواتِها

مَرَّت يُذَلُّ لَها الأَعَزُّ الأَنَجَبُ

 

فَعَلَيكَ تَقوى اللَهِ فَاِلزَمها تَفُز

إِنَّ التَقِيَّ هُوَ البَهِيُّ الأَهيَبُ

 

وَاِعمَل لِطاعَتِهِ تَنَل مِنهُ الرِضا

إِنَّ المُطيعَ لِرَبِّه لَمُقَرَّبُ

 

فَاِقنَع فَفي بَعضِ القَناعَةِ راحَةٌ

وَاليَأسُ مِمّا فاتَ فَهوَ المَطلَبُ

 

وَإِذا طَمِعتَ كُسيتَ ثَوبَ مَذَلَّةٍ

فَلَقَد كُسِي ثَوبَ المَذَلَةِ أَشعَبُ

 

وَتَوَقَّ مِن غَدرِ النِساءِ خِيانَةً

فَجَميعُهُنَ مَكائِدٌ لَكَ تُنصَبُ

 

لا تَأَمَنِ الأُنثى حَياتَكَ إِنَّها

كَالأُفعُوانِ يُراعُ مِنهُ الأَنيَبُ

 

لا تَأَمَنِ الأُنثى زَمانَكَ كُلَّهُ

يَوماً وَلَو حَلَفَت يَميناً تَكذِبُ

 

تُغري بِطيبِ حَديثِها وَكَلامِها

وَإِذا سَطَت فَهِيَ الثَقيلُ الأَشطَبُ

 

وَاَلقَ عَدُوَّكَ بِالتَحِيَةِ لا تَكُن

مِنهُ زَمانَكَ خائِفاً تَتَرَقَّبُ

 

وَاِحذَرهُ يَوماً إِن أَتى لَكَ باسِماً

فَاللّيثُ يَبدو نابُهُ إِذ يَغضَبُ

 

إِنَّ الحَقودَ وَإِن تَقادَمَ عَهدُهُ

فَالحِقدُ باقٍ في الصُدورِ مُغَيَّبُ

 

وَإِذا الصَديقَ رَأَيتَهُ مُتَعَلِّقاً

فَهوَ العَدُوُّ وَحَقُّهُ يُتَجَنَّبُ

 

لا خَيرَ في وُدِّ اِمرِئٍ مُتَمَلِّقٍ

حُلوِ اللِسانِ وَقَلبُهُ يَتَلَّهَبُ

 

يَلقاكَ يَحلِفُ أَنَّهُ بِكَ واثِقٌ

وَإِذا تَوارى عَنكَ فَهوَ العَقرَبُ

 

يُعطيكَ مِن طَرَفِ اللِسانِ حَلاوَةً

وَيَروغُ مِنكَ كَما يَروغُ الثَعلَبُ

 

وَاِختَر قَرينَكَ وَاِصطَفيهِ تَفاخُراً

إِنَّ القَرينَ إِلى المُقارَنِ يُنسَبُ

 

إِنَّ الغَنِيَّ مِنَ الرِجالِ مُكَرَّمٌ

وَتَراهُ يُرجى ما لَدَيهِ وَيُرهَبُ

 

وَيَبُشُّ بِالتَرحيبِ عِندَ قُدومِهِ

وَيُقامُ عِندَ سَلامِهِ وَيُقَرَّبُ

 

وَالفَقرُ شَينٌ لِلرِجالِ فَإِنَّهُ

يُزري بِهِ الشَهمُ الأَديبُ الأَنسَبُ

 

وَاِخفِض جَناحَكَ لِلأَقارِبِ كِلِّهِم

بِتَذَلُّلٍ وَاِسمَح لَهُم إِن أَذنَبوا

 

وَدَعِ الكَذوبَ فَلا يَكُن لَكَ صاحِباً

إِنَّ الكَذوبَ لَبِئسَ خِلاً يُصحَبُ

 

وَذَرِ الَحسودَ وَلَو صَفا لَكَ مَرَّةً

أَبعِدهُ عَن رُؤياكَ لا يُستَجلَبُ

 

وَزِنِ الكَلامَ إِذا نَطَقتَ وَلا تَكُن

ثَرثارَةً في كُلِّ نادٍ تَخطُبُ

 

وَاِحفَظ لِسانَكَ وَاِحتَرِز مِن لَفظِهِ

فَالمَرءُ يَسلَمُ بِاللِسانِ وَيُعطَبُ

 

وَالسِرَّ فَاِكتُمهُ وَلا تَنطِق بِهِ

فَهوَ الأَسيرُ لَدَيكَ إِذ لا يُنشَبُ

 

وَاِحرِص عَلى حِفظِ القُلوبِ مِنَ الأَذى

فَرُجوعُها بَعدَ التَنافُرِ يَصعُبُ

 

إِنَّ القُلوبَ إِذا تَنافَرَ وُدُّها

شِبهَ الزُجاجَةِ كَسرُها لا يُشعَبُ

 

وَكَذاكَ سِرُّ المَرءِ إِن لَم يَطوِهِ

نَشَرَتهُ أَلسِنَةٌ تَزيدُ وَتَكذِبُ

 

لا تَحرِصَنَّ فَالحِرصُ لَيسَ بِزائِدٍ

في الرِزقِ بَل يَشقى الحَريصُ وَيَتعَبُ

 

وَيَظَلُّ مَلهوفاً يَرومُ تَحَيُّلاً

وَالرِزقُ لَيسَ بِحيلَةٍ يُستَجلَبُ

 

كَم عاجِزٍ في الناسِ يُؤتى رِزقَهُ

رَغداً وَيُحرَمُ كَيِّسٌ وَيَخيَّبُ

 

أَدِّ الأَمانَةَ وَالخيانَةَ فَاِجتَنِب

وَاِعدِل وَلا تَظلِم يَطيبُ المَكسَبُ

 

وِإِذا بُليتَ بِنَكبَةٍ فَاِصبِر لَها

مَن ذا رَأَيتَ مُسلِّماً لا يُنكَبُ

 

وَإِذا أَصابَكَ في زَمانِكَ شِدَّةٌ

وَأَصابَكَ الخَطبُ الكَريهُ الأَصعَبُ

 

فَاِدعُ لِرَبِّكَ إِنَّهُ أَدنى لِمَن

يَدعوهُ مِن حَبلِ الوَريدِ وَأَقرَبُ

 

كُن ما اِستَطَعتَ عَنِ الأَنامِ بِمَعزِلٍ

إِنَّ الكَثيرَ مِنَ الوَرى لا يُصحَبُ

 

وَاَجعَل جَليسَكَ سَيِّداً تَحظى بِهِ

حَبرٌ لَبيبٌ عاقِلٌ مُتَأَدِّبُ

 

وَاِحذَر مِن المَظلومِ سَهماً صائِباً

وَاِعلَم بِأَنَّ دُعاءَهُ لا يُحجَبُ

 

وَإِذا رَأَيتَ الرِزقَ ضاقَ بِبَلدَةٍ

وَخَشيتَ فيها أَن يَضيقَ المَكسَبُ

 

فَاِرحَل فَأَرضُ اللَهِ واسِعَةُ الفَضا

طُولاً وَعَرضاً شَرقُها وَالمَغرِبُ

 

فَلَقَد نَصَحتُكَ إِن قَبِلتَ نَصيحَتي

فَالنُصحُ أَغلى ما يُباعُ وَيُوهَبُ

 

خُذها إِلَيكَ قَصيدَةً مَنظومَةً

جاءَت كَنَظمِ الدُرِ بَل هِيَ أَعجَبُ

 

حِكَمٌ وَآدابٌ وَجُلُّ مَواعِظٍ

أَمثالُها لِذَوي البَصائِرِ تُكتَبُ

 

فَاِصغِ لِوَعظِ قَصيدَةٍ أَولاكَها

طَودُ العُلومِ الشامِخاتِ الأَهيَبُ

 

أَعني عَلِيّاً وَاِبنُ عَمِّ مُحَمَّدٍ

مَن نالَهُ الشَرَفُ الرَفيعُ الأَنسَبُ

 

يا رَبِّ صَلِّ عَلى النَبِيِّ وَآلِهِ

عَدَدَ الخَلائِقِ حَصرُها لا يُحسَبُ

 

 

 

4)   اللهو:

واللهو عكس الحكمة يمثل التمتع بملذات الحياة والإعجاب بها أو اتباع الهوى والغزل، وتجود في شعر اللهو الألفاظ الرقيقة المنسابة على خلاف الفخر الذي يشترط الفخامة

ومن أغراض اللهو:

 

 

      الغزل:

حسبنا في الغزل قول ابن رشيق في العمدة "النسيب أن يكون حلو الألفاظ رسلها، قريب المعاني سهلها، غير كز ولا غامض، وأن يختار له من

الكلام ما كان ظاهر المعنى، لين الإيثار، رطب المكسر، شفاف الجوهر، يطرب الحزين، ويستخف

الرصين."

ولا يكاد تجد شاعر خلا شعره من بكاء حبيب أو تغزل بنسيب جاهليا كان أو معاصرا ومن عاش بينهنا

وتجد من الغزل العذري الذي يتعفف فيه الشاعر في شعره ويكون أقصى مرامه الظفر بوصال المحبوبة وأحيانا نظرة منها فقط ولا يكون الغزل العذري إلا لمحبوبة واحدة كشعر قيس وجميل وكثير وسائر الشعراء العذريين

 

ومنه الشعر الفاحش الذي يعتمد على ذكر صفات المحبوبة وبيان محاسنها ولا يتمهل الشاعر فيه من ذكر صفة ظاهرة أم غائرة في المحبوبة وقد يتغزل الشاعر بأكثر من محبوبة وقد تتعدد الأسماء في القصيدة الواحدة ورائد هذا الصنف هو عمر بن أبي ربيعة كما أبدع أمرؤ القيس في غزله وغيرهم الكثير

 

ومن الغزل ما قيل تقديما لقصيدة لا أكثر ولا يقصد به فتاة بعينها ولا حب يعمل في قلب الشاعر عمله

 

ومن روائع الغزل التي جمعت صنوف الغزل فقدم الشاعر لها بالأطلال والذكرى ووصف محاسن المحبوبة وكان عاشقا وَلِهاً فاض شعره بصبابته هي قصيدة ذي الرمة في أمامية وهذه أبيات العزل منها:

 

ما بالُ عَينِكَ مِنها الماءُ يَنسَكِبُ

كَأَنَّهُ مِن كُلى مَفرِيَّة سَرِبُ

 

وَفراءَ غَرفِيَّة أَثأى خَوارِزُها

مُشَلشِلٌ ضَيَّعَتهُ بَينَها الكُتَبُ

 

أَستَحدَثَ الرَكبُ عَن أَشياعِهِم خَبَرا

أَم راجَعَ القَلبَ مِن أَطرابِهِ طَرَبُ

 

مِن دِمنَة نَسَفَت عَنها الصَبا سُفَعا

كَما تُنَشَّرُ بَعدَ الطَيَّةِ الكُتُبُ

 

سَيلا مِنَ الدِعصِ أَغشَتهُ مَعارِفَها

نَكباءُ تَسحَبُ أَعلاه فَيَنسَحِبُ

 

لا بَل هُوَ الشَوقُ مِن دارٍ تَخَوَّنَها

مَرّا سَحابٌ وَمَرّا بارِحٌ تَرِبُ

 

يَبدو لِعَينَيكَ مِنها وَهيَ مُزمِنَةٌ

نُؤيٌ وَمُستَوقَدٌ بال وَمُحتَطَبُ

 

إِلى لَوائِحَ مِن أَطلالِ أَحوِيَةٍ

كَأَنَّها خِلَلٌ مَوشِيَّةٌ قُشُبُ

 

بِجانِبِ الزُرقِ لَم تَطمِس مَعالِمَها

دَوارِجُ المورِ وَالأَمطارُ وَالحِقَبُ

 

دِيارُ مَيَّةَ إِذ مَيُّ تُساعِفُنا

وَلا يَرى مِثلَها عُجمٌ وَلا عَرَبُ

 

بَرّاقَةُ الجيدِ وَاللَبّاتِ واضِحَةٌ

كَأَنَّها ظَبيَةٌ أَفضى بِها لَبَبُ

 

بَينَ النَهارِ وَبَينَ اللَيلِ مِن عَقَدٍ

عَلى جَوانِبِهِ الأَسباطُ وَالهَدَبُ

 

عَجزاءُ مَمكورَةٌ خَمصانَةٌ قَلِقٌ

عَنها الوِشاحُ وَتَمَّ الجِسمُ وَالقَصَبُ

 

زَينُ الثِيابِ وَإِن أَثوابُها اِستُلِبَت

عَلى الحَشِيَّةِ يَوما زانَها السَلَبُ

 

تُريكَ سُنَّةض وَجهٍ غَيرَ مُقرِفَة

مَلساءَ لَيسَ بِها خالٌ وَلا نَدَبُ

 

إِذا أَخو لَذَّةِ الدُنيا تَبَطَّنَها

وَالبَيتُ فَوقَهُما بِاللَيلِ مُحتَجِبُ

 

سافَت بِطَيِّبَةِ العِرنينِ مارِنُها

بِالمِسكِ وَالعَنبَرِ الهِندِيِّ مُختَضِبُ

 

تَزدادُ لِلعَينش إِبهاجا إِذا سَفَرَت

وَتَحرَجُ العَينُ فيها حينَ تَنتَقِبُ

 

لَمياءُ في شَفَتَيها حُوَّةٌ لَعَسٌ

وَفي اللِثاتِ وَفي أَنيابِها شَنَبُ

 

كَحلاءُ في بَرَجٍ صَفراءُ في نَعَجٍ

كَأَنَّها فِضَّةٌ قَد مَسَّها ذّهَبُ

 

وَالقُرطُ فُي حُرّةِ الذِفرى مُعَلَّقُهُ

تَباعَدَ الحَبلُ مِنهُ فَهوَ يَضطَرِبُ

 

تِلكَ الفَتاةُ الَّتي عُلِّقتُها عَرَضاً

إِنَّ الكَريمَ وَذا الإِسلامِ يُختَلَبُ

 

لَيسَت بِفاحِشَةٍ في بَيتِ جارَتِها

وَلا تُعابُ وَلا تُرمى بِها الرِيَبُ

 

إِن جاوَرَتهُنَّ لَم يَأخُذنَ شيمَتَها

وَإشن وَشَينَ بِها لَم تَدرِ ما الغَضَبُ

 

صَمتُ الخَلاخيلِ خَودٌ لَيسَ يُعجِبُها

نَسجُ الأَحاديثِ بَينَ الحَيِّ وَالصَخَبُ

 

وَحُبُّها لي سَوادَ اللَيلِ مُرتَعِداً

كَأَنَّها النارُ تَخبو ثُمَّ تَلتَهِبُ

 

واسَوأَتا ثُمَّ يا وَيلا وَيا حَرَبا

إِنّي أَخو الجِسمِ فيه السُقمُ وَالكُرَبُ

 

لَيالِيَ اللَهوُ يَطبيني فَأَتبَعُهُ

كَأَنَّني ضارِبٌ في غَمرَة لَعِبُ

 

لا أَحسَبُ الدَهرَ يُبلي جِدَّةً أَبَداً

وَلا تُقَسِّمُ شَعباً واحِداً شُعَبُ

 

زارَ الخَيالُ لَمَيّ هاجِعاً لَعِبَت

بِهِ التَنائِفُ وَالمَهرِيَّةُ النُجُبُ

 

مُعَرِّساً في بَياضِ الصُبحِ وَقعَتُهُ

وَسائِرُ السَيرِ إِلاّ ذاكَ مُنجَذِبُ

 

 

      الطرد:

أما الطرد فهو ذكر الصيد والخيول ووصف النبال والظباء

وإن قل في عصرنا لقلة الصيد والطرد فيه فقد مثر في أشعار الجاهليين أي إكثار وحسبنا أن امرأ القيس كتب الروائع في الطرد ومن قصائده:

 

أَلا اِنعِم صَباحاً أَيُّها الرَبعُ وَاِنطِقِ

وَحَدِّث حَديثَ الرَكبِ إِن شِئتَ وَاِصدُقِ

 

وَحَدِّث بِأَن زالَت بِلَيلٍ حُمولُهُم

كَنَخلٍ مِنَ الأَعراضِ غَيرِ مُنَبِّقِ

 

جَعَلنَ حَوايا وَاِقتَعَدنَ قَعائِد

وَخَفَّفنَ مِن حَوكِ العِراقِ المُنَمَّقِ

 

وَفَوقَ الحَوايا غِزلَةٌ وَجَآذِرٌ

تَضَمَّخنَ مِن مِسكٍ ذَكِيٍّ وَزَنبَقِ

 

فَأَتبَعتُهُم طَرفي وَقَد حالَ دونَهُم

غَوارِبُ رَملٍ ذي أَلاءٍ وَشَبرَقِ

 

عَلى إِثرِ حَيٍّ عامِدينَ لِنِيَّةٍ

فَحَلّوا العَقيقَ أَو ثَنِيَّةَ مُطرِقِ

 

فَعَزَّيتُ نَفسي حينَ بانوا بِحَسرَةٍ

أَمونٍ كَبُنيانِ اليَهودِيِّ خَيفَقِ

 

إِذا زَجَرَت أَلفَيتُها مُشمَعِلَّةً

تُنيفُ بِعَذقٍ مِن غُروسِ اِبنِ مُعنِقِ

 

تَروحُ إِذا راحَت رَواحَ جَهامَةٍ

بِإِثرِ جَهامٍ رائِحٍ مُتَفَرِّقِ

 

كَأَنَّ بِها هِراً جَنيباً تَجُرُّهُ

بِكُلِّ طَريقٍ صادَفَتهُ وَمَأزِقِ

 

كَأَنّي وَرَحلي وَالقِرابَ وَنُمرُقي

عَلى يَرفَئِيٍّ ذي زَوائِدَ نَقنَقِ

 

تَرَوَّحَ مِن أَرضٍ لِأَرضٍ نَطِيَّةٍ

لِذِكرَةِ قَيضٍ حَولَ بَيضٍ مُفَلَّقِ

 

يَجولُ بِآفاقِ البِلادِ مُغَرِّب

وَتُسحِقُهُ ريحُ الصَبا كُلَّ مُسحَقِ

 

وَبَيتٌ يَفوحُ المِسكُ في حُجُراتِهِ

بَعيدٍ مِنَ الآفاتِ غَيرِ مُرَوَّقِ

 

دَخَلتُ عَلى بَيضاءَ جُمٍّ عِظامُه

تُعَفّي بِذَيلِ الدِرعِ إِذ جِئتُ مودَقي

 

وَقَد رَكَدَت وَسطَ السَماءِ نُجومُه

رُكودَ نَوادي الرَبرَبِ المُتَوَرِّقِ

 

وَقَد أَغتَدي قَبلَ العُطاسِ بِهَيكَلٍ

شَديدٍ مَشَكِّ الجَنبِ فَعمِ المُنَطَّقِ

 

بَعَثنا رَبيئاً قَبلَ ذاكَ مُحَمَّل

كَذِئبِ الغَضى يَمشي الضَراءَ وَيَتَّقي

 

فَظَلَّ كَمِثلِ الخَشفِ يَرفَعُ رَأسَهُ

وَسائِرُهُ مِثلُ التُرابِ المُدَقَّقِ

 

فَجاءَ خَفِيّاً يَسفِنُ الأَرضَ بَطنُهُ

تَرى التُربَ مِنهُ لاصِقاً كُلَّ مَلصَقِ

 

وَقالَ أَلا هَذا صُوارٌ وَعانَةٌ

وَخَيطُ نَعامٍ يَرتَعي مُتَفَرِّقِ

 

فَقُمنا بِأَشلاءِ اللِجامِ وَلَم نَقُد

إِلى غُصنِ بانٍ ناضِرٍ لَم يُحَرَّقِ

 

نُزاوِلُهُ حَتّى حَمَلنا غُلامَن

عَلى ظَهرِ ساطٍ كَالصَليفِ المُعَرَّقِ

 

كَأَنَّ غُلامي إِذ عَلا حالَ مَتنِهِ

عَلى ظَهرِ بازٍ في السَماءِ مُحَلِّقِ

 

رَأى أَرنَباً فَاِنقَضَّ يَهوي أَمامَهُ

إِلَيها وَجَلّاها بِطَرفٍ مُلَقلَقِ

 

فَقُلتُ لَهُ صَوِّب وَلا تُجهِدَنَّهُ

فَيَذرُكَ مِن أَعلى القَطاةِ فَتُزلَقِ

 

فَأَدبَرنَ كَالجَذعِ المُفَصَّلِ بَينَهُ

بِجيدِ الغُلامِ ذي القَميصِ المُطَوَّقِ

 

وَأَدرَكَهُنَّ ثانِياً مِن عِنانِهِ

كَغَيثِ العَشِيِّ الأَقهَبِ المُتَوَدِّقِ

 

فَصادَ لَنا عيراً وَثَوراً وَخاضِب

عِداءً وَلَم يَنضَح بِماءٍ فَيَعرَقِ

 

وَظَلَّ غُلامي يَضجَعُ الرُمحَ حَولَهُ

لِكُلِّ مَهاةٍ أَو لِأَحقَبَ سَهوَقِ

 

وَقامَ طِوالَ الشَخصِ إِذ يَخضِبونَهُ

قِيامَ العَزيزِ الفارِسِيِّ المُنَطَّقِ

 

فَقُلنا أَلا قَد كانَ صَيدٌ لِقانِصٍ

فَخِبّوا عَلَينا كُلَّ بَيتٍ مُزَوَّقِ

 

وَظَلَّ صِحابي يَشتَوُونَ بِنِعمَةٍ

يَصُفّونَ غاراً بِاللَكيكِ المُوَشَّقِ

 

وَرُحنا كَأَنَّ مِن جُؤاثى عَشِيَّةٌ

نُعالي النِعاجَ بَينَ عِدلٍ وَمُشنَقِ

 

وَرُحنا بِكَاِبنِ الماءِ يُجنَبُ وَسطَن

تُصَوَّبُ فيهِ العَينُ طَوراً وَتَرتَقي

 

وَأَصبَحَ ذَهلولاً يُزِلُّ غُلامَن

كَفِدحِ النَضِيِّ بِاليَدَينِ المُفَوَّقِ

 

كَأَنَّ دِماءَ الهادِياتِ بِنَحرِهِ

عُصارَةَ حِنّاءٍ بِشَيبٍ مُفَرَّقِ

 

 

 

      الخمريات:

لما كانت العرب في الجاهلية تفتخر بشرب الخمر ويعرفون لها أسماء وصفات أكثر ما يعرفون للطعام والشراب غيرها، نشأ هذا الغرض منذ القدم وإن قل في العصر الأموي (ما خلا أشعار الأخطل) لأن الإسلام حرمه فقد أحياه أبو نواس في العصر العباسي وفيه وصف الخمر ومجالسها ووصف الخمور وما تحدثه الخمرة به ومن قصائد أبو نواس الخمرية قوله:

 

لا يَصرِفَنَّكَ عَن قَصفٍ وَإِصباءِ

مَجموعُ رَأيِ وَلا تَشتيتُ أَهواءِ

 

وَاِشرَب سُلافاً كَعَينِ الديكِ صافِيَةً

مِن كَفِّ ساقِيَةٍ كَالريمِ حَوراءِ

 

صَفراءُ ما تُرِكَت زَرقاءُ إِن مُزِجَت

تَسمو بِحَظَّينِ مِن حُسنٍ وَلَألاءِ

 

تَنزو فَواقِعُها مِنها إِذا مُزِجَت

نَزوَ الجَنادِبِ مِن مَرجٍ وَأَفياءِ

 

لَها ذُيولٌ مِنَ العِقيانِ تَتبَعُها

في الشَرقِ وَالغَربِ في نورٍ وَظَلماءِ

 

لَيسَت إِلى النَخلِ وَالأَعنابِ نِسبَتُها

لَكِن إِلى العَسَلِ الماذِيِّ وَالماءِ

 

نِتاجُ نَحلِ خَلايا غَيرِ مُقفِرَةٍ

خُصَّت بِأَطيَبِ مُصطافٍ وَمَشتاءِ

 

تَرعى أَزاهيرَ غيطانٍ وَأَودِيَةٍ

وَتَشرَبُ الصَفوَ مِن غُدرٍ وَأَحساءِ

 

فُطسُ الأُنوفِ مَقاريفٌ مُشَمِّرَةٌ

خوصُ العُيونِ بَريآتٌ مِنَ الداءِ

 

مِن مُقرِبٍ عُشَراءٍ ذاتِ زَمزَمَةٍ

وَعائِذٍ مُتبَعٍ مِنها وَعَذراءُ

 

تَغدو وَتَرجَعُ لَيلاً عَن مَسارِبِها

إِلى مُلوكٍ ذَوي عِزٍّ وَأَحباءِ

 

كُلٌّ بِمَعقِلِهِ يُمضي حُكومَتَهُ

في حِزبِهِ بِجَميلِ القَولِ وَالراءِ

 

لَم تَرعَ بِالسَهلِ أَنواعَ الثِمارِ وَلا

ما أَينَعَ الزَهرَ مِن قَطرٍ وَأَنداءِ

 

زالَت وَزِلنَ بِطاعاتِ الجِماعِ فَما

يَنينَ في خُدُرٍ مِنها وَأَرجاءِ

 

حَتّى إِذا اِصطَكَّ مِن بُنيانِها قُرَصٌ

أَروَينَها عَسَلاً مِن بَعدِ إِصداءِ

 

وَآنَ مِن شُهدِها وَقتُ الشِيارِ فَلَم

تَلبَث بِأَن شُيِّرَت في يَومِ أَضواءِ

 

وَصَفَّقوها بِماءِ النيلِ إِذ بَرَزَت

في قِدرِ قَسٍّ كَجَوفِ الجُبِّ رَوحاءِ

 

حَتّى إِذا نَزَعَ الرُوّادُ رَغوَتَها

وَأَقصَتِ النارُ عَنها كُلَّ ضَرّاءِ

 

اِستَودَعوها رَواقيداً مُزَفَّتَةً

مِن أَغبَرٍ قاتِمٍ مِنها وَغَبراءِ

 

وَكُمَّ أَفواهُها دَهراً عَلى وَرَقٍ

مِن حُرِّ طينَةِ أَرضٍ غَيرِ مَيثاءِ

 

حَتّى إِذا سَكَنَت في دَنِّها وَهَدَت

مِن بَعدِ دَمدَمَةٍ مِنها وَضَوضاءِ

 

جاءَت كَشَمسِ ضُحىً في يَومِ أَسعُدِها

مِن بُرجِ لَهوٍ إِلى آفاقِ سَرّاءِ

 

كَأَنَّها وَلِسانُ الماءِ يَقرَعُها

نارٌ تَأَجَّجُ في آجامِ قَصباءِ

 

لَها مِنَ المَزجِ في كاساتِها حَدَقٌ

تَرنو إِلى شَربِها مِن بَعدِ إِغضاءِ

 

كَأَنَّ مازِجَها بِالماءِ طَوَّقَها

مَنزوعَ جِلدَةَ ثُعبانٍ وَأَفعاءِ

 

فَاِشرَب هُديتَ وَغَنِّ القَومَ مُبتَدِأً

عَلى مُساعَدَةَ العيدانِ وَالناءِ

 

لَو كانَ زُهدُكِ في الدُنيا كَزُهدِكَ في

وَصلي مَشَيتِ بِلا شَكٍّ عَلى الماءِ

 

 

 

 

خاتمة:

والجدير بالذكر أن القصيدة العربية وإن تعددت أغراضها وما تحتويه من معاني فلا بد من وجود خيط رفيع لا يصل له إلا الحاذق ومن خبر الشعر وعلم سرائره يربط أجزاء القصيدة ببعضها ويحقق وحدتها ويؤمن الانتقال المحبب من غرض إلى آخر

 

فتأمل - هداك الله - روعة الشعر العربي وما يتحمله من أغراض ومعانٍ قد يغلقها في وةه الفنان أدبٌ أو فنٌّ سواه

 

 

 

إعداد: عمر محمد القنطار

 

                               

عن الكاتب

منتدى اليمامة الأدبي في ظل فساد الشعر الحديث،وتفشّي المعنى الهزيل، وغلبة سوء الصنعة، وخيبة من يسعى.. ويسعى، فإن من واجبنا كشعراء ونجباء، نشر ثقافة العرب، وإحياء الشعر والخطب، فكان من توفيق أحوالنا، ونجاح أعمالنا، إنشاء "منتدى اليمامة الأدبي" جامع صنَّاع الشعر، ورافضي مجانسة القريض بالنثر، فكان من أغراض منتدانا: المعارضات والسجالات، والوصف والمجاراة، والتحدي بمدح وهجاء، وتنسيب ورثاء، وتعزيز ثقافة الشعراء بعلمي العروض والقافية، وكلّ معلومة شافية، ومنها الأخذ بالأسباب والأوتاد، والفواصل والأعداد، والخرم والخزم، والخبل والخزل، والإقواء والإصراف، وما تبقى من الأعراف، ومسابقات عديدة، من الجديدة المفيدة.

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

الانتساب للمنتدى

لو كنت شاعراً موهوباً أو مبتدئاً أو كنت تحب تعلم الشعر وتريد تنمية موهبتك مع شعراء اليمامة وتريد إيصال فكرتك من خلال قصائدك يمكنك الانتساب للمنتدى بكل سهولة من خلال تقديم طلب الانتساب.

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

جميع الحقوق محفوظة

منتدى اليمامة الأدبي