[ إظهار ] المحتوى
بشار بن أبي خازم
سُئل الفرزدق مرة: من أشعر العرب؟
فقال: بشر بن أبي خازم
قيل له: بماذا؟ قال بقوله:
ثوى في ملحد لا بد منه
كفى بالموت نأياً واغترابا
ثم سئل جرير فقال: بشر بن أبي خازم
قال: بماذا؟
قال: بقوله:
رهين بلى، وكل فتى سيبلى
فأذري الدمعَ وانتحبي انتحاباً
فاتفقا على بشر بن أبي خازم،
لكن من هو بشر بن أبي خازم؟
وهل هو أشعر العرب حقا؟
ما رأي النقاد به؟
ما هي نوادره وطرائفه؟
والأهم ما مستواه الشعري
اسمه ونسبه:
هو بشر بن أبي خازم (وأبو خازم اسمه عمرو) بن عوف بن حميري بن ناشرة بن أسامة بن والبة بن الحارث بن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة بن مدركة وهو عمرو بن إلياس بن مضر بن نزار ويكنى بأبي نوفل وهو شاعر جاهلي فحل من أهل نجد من بني أسد وفيهم شعراء كبار أشهرهم عبيد بن الأبرص
الميلاد والوفاة:
تاريخ ميلاد ووفاة بشر بن أبي خازم مجهول فلا نعرفه لكننا نعلم أنه عاش بين العقد الثالث والعقد الأخير من القرن السادس الميلادي إلى بداية القرن السابع الميلادي وقد وشهد حرب أسد وطيء وهناك بعض الأخبار تفيد أن بشر قد شهد الإسلام وامتدت به الحياة بعده وله أخبار مع الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه
مكانته بين الشعراء:
- يُعد الشاعر بشر بن أبي الخازم من فحول الجاهلية وقد صنفه ابن سلام في كتاب "طبقات فحول الشعراء" في الطبقة الثانية مع الحطيئة وأوس بن حجر وكعب بن زهير فقدمه بذلك على بعض من شعراء المعلقات
- قد ذكرنا سابقا أن الشاعرين جرير والفرزدق اتفقا على أن بشر هو أشعر العرب وقد ورد ذكر هذه الحادثة في كتاب العمدة لابن رشيق
- وفي كتاب "خزانة الأدب" ذُكر أن الأصمعي سأل بشاراً عن أشعر العرب فأجاب "أهل البصرة يفضلون امرئ القيس وطرفة وأهل الكوفة يقدمون الأعشى وبشر بن أبي خازم..."
- وقد أُعجب عمرو بن العلاء بقصيدة بشر التي مطلعها:
أحقٌّ ما رأيتُ أمِ احتلامُ
أم الأهوالُ إذ صحبي نيامُ
وقال: "ليس للعرب قصيدة على هذا الروي أجود منها وقد ألحقت بشرا بالفحول"
نوادر الشاعر وأخباره:
- شهد الشاعر يومي النّسار والجّفار وهما يومان مشهوران عند العرب لبني أسد وقد أكثر الشاعر من وصفهما في شعره فلا تكاد تخلو قصيدة لبشر من ذكر هذان اليومان وقد وصف المعركة وصفا لا يصفه إلا من حضرها
- وقد منح النعمان بن المنذر حلّة لأوس بن حارثة وكان من أجود العرب وأكرمها فحسده البعض وطلبوا من الحطيئة هجاءه مقابل ثلاثمئة ناقة فأبى ثم ذهبوا إلى بشر فقبل هجاءه لعدة أسباب منها الطمع بالمال والعلاقات بين القبائل والتسابق على المكانة السامية بين العرب فبلغ ذلك أوسا وصبر عليه لأيا لكن بشراً لم يكف عن هجاءه حتى حشد له جيشا وغزى على بني أسد وهزمها وقد نجا بشر من المعركة ولاذ بالفرار لكنه سرعان ما وقع في قبضة أوس وقد كان راغباً بقتله إلا أن أم أوس أشارت إليه أن لا يمحو الهجاء إلا المديح فأطلق سراح بشر وأقسم لشر بعدها بعدها ألّا يمدح رجلا إلا أوس
وفاته:
كان الشاعر فارسا شجاها يخوض المعارك ولا يهابها إلا أن منيته كانت في إحداها فقد غافله الموت في غارة لقومه على الأبناء بني صعصعة فرماه وائليٌّ منه بسهم في صدره فأعتنق بشر فرسه وهو جريح ولما أدرك أنه ميت لا محالة رثا نفسه بقصيدة من جيد شعره يخاطب فيها ابنته عميرة قال فيها:
فإنَّ أباكِ قدْ لاقى غلاماً
منَ الأبناءِ يلتهبُ التهابا
وإنَّ الوائليَّ أصاب قلبي
بسهمٍ لم يكن يُكسى لغابا
ثوى في ملحدٍ لا بدَّ منهُ
كفى بالموت نأياً واغترابا
رهينُ بلى وكلُّ فتىً سيبلى
فأذري الدمعَ وانتحبي انتحابا
شعر بشر بن أبي خازم:
حفل شعر بشر بن أبي خازم بذكر الوقائع والحروب التي كانت تقوم بين القبائل، وكان لا يجد حرجًا في الغلو الجامح في شعره، الذي كان قريبًا من الأسطورة والمستحيل، لعظم انفعاله وضعف الحس الواقعي في كلامه. وكان يختار من الواقع الذي يألفه مشاهد موحية، يعزلها ويعممها، كرمز للواقع جميعه.
تراثه الشعري:
خلف ابن أبي خازم ديوانًا من الشعر بلغت قصائده 46 قصيدة، ونُشر في دمشق سنة 1960، ثم أعيد طبعه فيها سنة 1973 بعناية الدكتور عزة حسن وتحقيقه، وبلغ عدد أبيات الديوان نحوًا من 800 بيت
مختارات من شعره:
1- واسطة العقد من شعر بشر:
وقد فضلها عمرو بن العلاء على سائر قصائد العرب من رويها:
أَحَقٌّ ما رَأَيتُ أَمِ اِحتِلامُ
أَمِ الأَهوالُ إِذ صَحبي نِيامُ
أَلا ظَعَنَت لِنِيَّتِها إِدامُ
وَكُلُّ وِصالِ غانِيَةٍ رِمامُ
جَدَدتَ بِحُبِّها وَهَزَلتَ حَتّى
كَبِرتَ وَقيلَ إِنَّكَ مُستَهامُ
وَقَد تَغنى بِنا حيناً وَنَغنى
بِها وَالدَهرُ لَيسَ لَهُ دَوامُ
لَيالِيَ تَستَبيكَ بِذي غُروبٍ
كَأَنَّ رُضابَهُ وَهناً مُدامُ
وَأَبلَجَ مُشرِقِ الخَدَّينِ فَخمٍ
يُسَنُّ عَلى مَراغِمِهِ القَسامُ
تَعَرُّضَ جَأبَةِ المِدرى خَذولٍ
بِصاحَةَ في أَسِرَّتِها السِلامُ
وَصاحِبُها غَضيضُ الطَرفِ أَحوى
يَضوعُ فُؤادَها مِنهُ بُغامُ
وَخَرقٍ تَعزِفُ الجِنّانُ فيهِ
فَيافيهِ يَخِرُّ بِها السَهامُ
ذَعَرتُ ظِباءَهُ مُتَغَوِّراتٍ
إِذا اِدَّرَعَت لَوامِعَها الإِكامُ
بِذِعلِبَةٍ بَراها النَصُّ حَتّى
بَلَغتُ نُضارَها وَفَنى السَنامُ
كَأَخنَسَ ناشِطٍ باتَت عَلَيهِ
بِحَربَةَ لَيلَةٌ فيها جَهامُ
فَباتَ يَقولُ أَصبِح لَيلُ حَتّى
تَجَلّى عَن صَريمَتِهِ الظَلامُ
فَأَصبَحَ ناصِلاً مِنها ضُحَيّاً
نُصولَ الدُرِّ أَسلَمَهُ النِظامُ
أَلا أَبلِغ بَني سَعدٍ رَسولاً
وَمَولاهُم فَقَد حُلِبَت صُرامُ
نَسومُكُمُ الرَشادَ وَنَحنُ قَومٌ
لِتارِكِ وُدِّنا في الحَربِ ذامُ
فَإِن صَفِرَت عِيابُ الوُدَّ مِنكُم
وَلَم يَكُ بِينَنا فيها ذِمامُ
فَإِنَّ الجِزعَ جِزعَ عُرَيتِناتٍ
وَبُرقَةِ عَيهَمٍ مِنكُم حَرامُ
سَنَمنَعُها وَإِن كانَت بِلاداً
بِها تَربو الخَواصِرُ وَالسَنامُ
بِها قَرَّت لَبونُ الناسِ عَيناً
وَحَلَّ بِها عَزالِيَهُ الغَمامُ
وَغَيثٍ أَحجَمَ الرُوّادُ عَنهُ
بِهِ نَفَلٌ وَحَوذانٌ تُؤامُ
تَغالى نَبتُهُ وَاِعتَمَّ حَتّى
كَأَنَّ مَنابِتَ العَلَجانِ شامُ
أَنَخناهُ بِحَيٍّ ذي حِلالِ
إِذا ما ريعَ سَربُهُمُ أَقاموا
وَما يَندوهُمُ النادي وَلَكِن
بِكُلِّ مَحَلَّةٍ مَنهُم فِئامُ
وَما تَسعى رِجالُهُمُ وَلَكِن
فُضولُ الخَيلِ مُلجَمَةٌ صِيامُ
فَباتَت لَيلَةً وَأَديمَ يَومٍ
عَلى المَمهى يُجَزُّ لَها الثَغامُ
فَلَمّا أَسهَلَت مِن ذي صُباحِ
وَسالَ بِها المَدافِعُ وَالإِكامُ
أَثَرنَ عَجاجَةً فَخَرَجنَ مِنها
كَما خَرَجَت مِنَ الغَرَضِ السِهامُ
بِكُلِّ قَرارَةٍ مِن حَيثُ جالَت
رَكِيَّةُ سُنبُكٍ فيها اِنثِلامُ
إِذا خَرَجَت أَوائِلُهُنَّ شُعثاً
مُجَلِّحَةً نَواصيها قِيامُ
بِأَحقيها المُلاءُ مَحَزَّماتٍ
كَأَنَّ جِذاعَها أُصُلاً جِلامُ
يُبارينَ الأَسِنَّةَ مُصغِياتٍ
كَما يَتَفارَطُ الثَمَدَ الحَمامُ
أَلَم تَرَ أَنَّ طولَ الدَهرِ يُسلي
وَيُنسي مِثلَما نَسِيَت جُذامُ
وَكانوا قَومَنا فَبَغَوا عَلَينا
فَسُقناهُم إِلى البَلَدِ الشَآمي
وَكُنّا دونَهُم حِصناً حَصيناً
لَنا الرَأسُ المُقَدَّمُ وَالسَنامُ
وَقالوا لَن تُقيموا إِن ظَعَنّا
فَكانَ لَنا وَقَد ظَعَنوا مُقامُ
أَثافٍ مِن خُزَيمَةَ راسِياتٌ
لَنا حِلُّ المَناقِبِ وَالحَرامُ
فَإِنَّ مُقامَنا نَدعو عَلَيكُم
بِأَسفَلِ ذي المَجازِ لَهُ أَثامُ
2- في الهجاء:
قال يهجو أوس بن حارثة:
تَغَيَّرَتِ المَنازِلُ بِالكَثيبِ
وَعَفّى آيَها نَسجُ الجَنوبِ
مَنازِلُ مِن سُلَيمى مُقفِراتٍ
عَفاها كُلُّ هَطّالٍ سَكوبِ
وَقَفتُ بِها أُسائِلُها وَدَمعي
عَلى الخَدَّينِ في مِثلِ الغُروبِ
نَأَت سَلمى وَغَيَّرَها التَنائي
وَقَد يَسلو المُحِبُّ عَنِ الحَبيبِ
فَإِن يَكُ قَد نَأَتني اليَومَ سَلمى
وَصَدَّت بَعدَ إِلفٍ عَن مَشيبي
فَقَد أَلهو إِذا ما شِئتُ يَوماً
إِلى بَيضاءَ آنِسَةٍ لَعوبِ
أَلا أَبلِغ بَني لَأمٍ رَسولاً
فَبِئسَ مَحَلُّ راحِلَةِ الغَريبِ
لِضَيفٍ قَد أَلَمَّ بِها عِشاءً
عَلى الخَسفِ المُبَيِّنِ وَالجُدوبِ
إِذا عَقَدوا لِجارٍ أَخفَروهُ
كَما غُرَّ الرِشاءُ مِن الذَنوبِ
وَما أَوسٌ وَلَو سَوَّدتُموهُ
بِمَخشِيِّ العُرامِ وَلا أَريبِ
أَتوعِدُني بِقَومِكَ يا اِبنَ سُعدى
وَذَلِكَ مِن مُلِمّاتِ الخُطوبِ
وَحَولي مِن بَني أَسَدٍ حُلولٌ
مُبِنٌّ بَينَ شُبّانٍ وَشيبِ
بِأَيديهِم صَوارِمُ لِلتَداني
وَإِن بَعُدوا فَوافِيَةُ الكُعوبِ
هُمُ ضَرَبوا قَوانِسَ خَيلِ حُجرٍ
بِجَنبِ الرَدهِ في يَومٍ عَصيبِ
وَهُم تَرَكوا عُتَيبَةَ في مَكَرٍّ
بِطَعنَةِ لا أَلَفَّ وَلا هَيوبِ
وَهُم تَرَكوا غَداةَ بَني نُمَيرٍ
شُرَيحاً بَينَ ضِبعانٍ وَذيبِ
وَهُم وَرَدوا الجِفارَ عَلى تَميمٍ
بِكُلِّ سَمَيدَعٍ بَطَلٍ نَجيبِ
وَأَفلَتَ حاجِبٌ تَحتَ العَوالي
عَلى مِثلِ المُوَلَّعَةِ الطَلوبِ
وَحَيَّ بَني كِلابٍ قَد شَجَرنا
بِأَرماحٍ كَأَشطانِ القَليبِ
إِذا ما شَمَّرَت حَربٌ سَمَونا
سُمُوَّ البُزلِ في العَطَنِ الرَحيبِ
3- في الرثاء:
قال يرثي نفسه عندما أصابه الفتى الوائليّ بسهم في قلبه وأدرك أنه ميت:
أَسائِلَةٌ عُمَيرَةُ عَن أَبيها
خِلالَ الجَيشِ تَعتَرِفُ الرِكابا
تُؤَمِّلُ أَن أَؤوبَ لَها بِنَهبٍ
وَلَم تَعلَم بِأَنَّ السَهمَ صابا
فَإِنَّ أَباكِ قَد لاقى غُلاماً
مِنَ الأَبناءِ يَلتَهِبُ اِلتِهابا
وَإِنَّ الوائِلِيَّ أَصابَ قَلبي
بِسَهمٍ لَم يَكُن يُكسى لُغابا
فَرَجّي الخَيرَ وَاِنتَظِري إِيابي
إِذا ما القارِظُ العَنَزِيُّ آبا
فَمَن يَكُ سائِلاً عَن بَيتِ بِشرٍ
فَإِنَّ لَهُ بِجَنبِ الرَدهِ بابا
ثَوى في مُلحَدٍ لا بُدَّ مِنهُ
كَفى بِالمَوتِ نَأياً وَاِغتِرابا
رَهينَ بِلىً وَكُلُّ فَتىً سَيَبلى
فَأَذري الدَمعَ وَاِنتَحِبي اِنتِحابا
مَضى قَصدَ السَبيلِ وَكُلُّ حَيٍّ
إِذا يُدعى لِمَيتَتِهِ أَجابا
فَإِن أَهلِك عُمَيرَ فَرُبَّ زَحفٍ
يُشَبَّهُ نَقعُهُ عَدواً ضَبابا
سَمَوتُ لَهُ لِأَلبِسَهُ بِزَحفٍ
كَما لَفَّت شَآمِيَةٌ سَحابا
عَلى رَبِذٍ قَوائِمُهُ إِذا ما
شَأَتهُ الخَيلُ يَنسَرِبُ اِنسِرابا
شَديدِ الأَسرِ يَحمِلُ أَريَحِيّاً
أَخا ثِقَةٍ إِذا الحَدَثانُ نابا
صَبوراً عِندَ مُختَلَفِ العَوالي
إِذا ما الحَربُ أَبرَزَتِ الكَعابا
وَطالَ تَشاجُرُ الأَبطالِ فيها
وَأَبدَت ناجِذاً مِنها وَنابا
فَعَزَّ عَلَيَّ أَن عَجِلَ المَنايا
وَلَمّا أَلقَ كَعباً أَو كِلابا
وَلَمّا أَلقَ خَيلاً مِن نُمَيرٍ
تَضِبُّ لِثاتُها تَرجو النِهابا
وَلَمّا تَلتَبِس خَيلٌ بِخَيلٍ
فَيَطَّعِنوا وَيَضطَرِبوا اِضطِرابا
فَيا لِلناسِ إِنَّ قَناةَ قَومي
أَبَت بِثَقافِها إِلّا اِنقِلابا
هُمُ جَدَعوا الأُنوفَ فَأَوعَبوها
وَهُم تَرَكوا وَهُم بَني سَعدٍ يَبابا
4- في المديح:
قال يمدح عمرو بن إياس:
أَطلالُ مَيَّةَ بِالتِلاعِ فَمِثقَبِ
أَضحَت خَلاءً كَاِطِّرادِ المُذهَبِ
ذَهَبَ الأُلى كانوا بِهِنَّ فَعادَني
أَشجانُ نَصبٍ لِلظَعائِنِ مُنصِبِ
فَاِنهَلَّ دَمعي في الرِداءِ صَبابَةً
إِثرَ الخَليطِ وَكُنتُ غَيرَ مُغَلَّبِ
فَكَأَنَّ ظُعنَهُمُ غَداةَ تَحَمَّلوا
سُفُنٌ تَكَفَّأُ في خَليجٍ مُغرَبِ
وَلَقَد أُسَلّي الهَمَّ حينَ يَعودُني
بِنَجاءِ صادِقَةِ الهَواجِرِ ذِعلِبِ
حَرفٍ مُذَكَّرَةٍ كَأَنَّ قُتودَها
بَعدَ الكَلالِ عَلى شَتيمٍ أَحقَبِ
جَونٍ أَضَرَّ بِمُلمِعٍ يَعلو بِها
حَدَبَ الإِكامِ وَكُلَّ قاعٍ مُجدِبِ
يَنوي وَسيقَتَها وَقَد وَسَقَت لَهُ
ماءَ الوَسيقَةِ في وِعاءٍ مُعجِبِ
فَتَصُكُّ مَحجِرَهُ إِذا ما اِستافَها
وَجَبينَهُ بِحَوافِرٍ لَم تُنكَبِ
وَتَشُجُّ بِالعَيرِ الفَلاةَ كَأَنَّها
فَتخاءُ كاسِرَةٌ هَوَت مِن مَرقَبِ
وَالعَيرُ يُرهِقُها الخَبارُ وَجَحشُها
يَنقَضُّ خَلفَهُما اِنقِضاضَ الكَوكَبِ
فَعَلاهُما سَبطٌ كَأَنَّ ضَبابَهُ
بِجُنوبِ صاراتٍ دَواخِنُ تَنضُبِ
فَتَجارَيا شَأواً بَطيناً ميلُهُ
هَيهاتَ شَأوُهُما وَشَأوُ التَولَبِ
أَو شِبهُ خاضِبَةٍ كَأَنَّ جَناحَها
هِدمٌ تَجاسَرُ في رِئالٍ خُضَّبِ
فَإِلى اِبنِ أُمِّ إِياسَ عَمرٍو أَرقَلَت
رَتَكَ النَعامَةِ في الجَديبِ السَبسَبِ
أَرمي بِها الفَلَواتِ ضامِزَةً إِذا
سَمَعَ المُجِدُّ بِها صَريرَ الجُندُبِ
حَتّى حَلَلتُ نُسوعَ رَحلِ مَطِيَّتي
بِفَناءِ لا بَرِمٍ وَلا مُتَغَضِّبِ
بَحرٍ يَفيضُ لِمَن أَناخَ بِبابِهِ
مِن سائِلٍ وَثِمالِ كُلِّ مُعَصَّبِ
وَلَأَنتَ أَحيا مِن فَتاةٍ غالَها
حَذَرٌ وَأَشجَعُ مِن هَموسٍ أَغلَبِ
الحافِظُ الحَيَّ الجَميعَ إِذا شَتَوا
وَالواهِبُ القَيناتِ شِبهُ الرَبرَبِ
وَالمانِحُ المِئَةَ الهِجانَ بِأَسرِها
تُزجى مَطافِلُها كَجَنَّةِ يَثرِبِ
وَلَرُبَّ زَحفٍ قَد سَمَوتَ بِجَمعِهِ
فَلَبِستَهُ رَهواً بِأَرعَنَ مُطنِبِ
بِالقَومِ مُجتابي الحَديدِ كَأَنَّهُم
أُسدٌ عَلى لُحُقِ الأَياطِلِ شُزَّبِ
5- في الاعتذار:
قال يعتذر من أوس بن حارثة بعد أن هجاه ويطلب الصفح:
وَإِنّي لَراجٍ مِنكَ يا أَوسُ نِعمَةً
وَإِنّي لِأُخرى مِنكَ يا أَوسُ راهِبُ
فَهَل يَنفَعَنّي اليَومَ إِن قُلتُ إِنَّني
سَأَشكُرُ إِن أَنعَمتَ وَالشُكرُ واجِبُ
وَإِنّي قَد أَهجَرتُ بِالقَولِ ظالِماً
وَإِنّي مِنهُ يا اِبنَ سُعدى لَتائِبُ
وَإِنّي إِلى أَوسٍ لِيَقبَلَ عِذرَتي
وَيَعفُوَ عَنّي ما حَييتُ لَراغِبُ
فَهَب لي حَياتي فَالحَياةُ لِقائِمٍ
بِشُكرِكَ فيها خَيرُ ما أَنتَ واهِبُ
فَقُل كَالَّذي قالَ اِبنَ يَعقوبَ يوسُفٌ
لِإِخوَتِهِ وَالحُكمُ في ذاكَ راسِبُ
فَإِنّي سَأَمحو بِالَّذي أَنا قائِلٌ
بِهِ صادِقاً ما قُلتُ إِذ أَنا كاذِبُ
6- الوصف:
قال يصف ناقة:
أَمِن لَيلى وَجارَتِها تَروحُ
وَلَيسَ لِحاجَةٍ مِنها مُريحُ
وَلَيسَ مُبيِّنٌ في الدارِ إِلّا
مَبيتُ ظَعائِنٍ وَصَدىً يَصيحُ
وَلَم تَعلَم بِبَينِ الحَيِّ حَتّى
أَتاكَ بِهِ غُدافِيٌّ فَصيحُ
فَظِلتُ أُكَفكِفُ العَبَراتِ مِنّي
وَدَمعُ العَينِ مُنهَمِرٌ سَفوحُ
وَدَمعي يَومَ ذَلِكَ غَربُ شَنٍّ
بِجانِبِ شَهمَةٍ ما تَستَريحُ
وَلَم أَبرَح رُسومَ الدارِ حَتّى
أَزاحَت عِلَّتي حَرَجٌ مَروحُ
لَها قَرَدٌ كَجُثِّ النَملِ جَعدٌ
تَغَصُّ بِهِ العَراقي وَالقُدوحُ
أَعانَ سَراتَهُ وَبَنى عَلَيهِ
بِما خَلَطَ السَوادِيُّ الرَضيخُ
سَناماً يَرفَعُ الأَحلاسَ عَنهُ
إِلى سَنَدٍ كَما اِرتُفِدَ الضَريحُ
كَأَنَّ قُتودَها بِأُرَينَباتٍ
تَعَطَّفَهُنَّ مَوشِيُّ مُشيحُ
تَضَيَّفَهُ إِلى أَرطاةَ حِقفٍ
بِجَنبِ سُوَيقَةٍ رِهَمٌ وَريحُ
فَباكَرَهُ مَعَ الإِشراقِ غُضفٌ
يَخُبُّ بِها جَدايَةُ أَو ذَريحُ
وَأَضحى وَالضَبابُ يَزِلُّ عَنهُ
كَوَقفِ العاجِ لَيسَ بِهِ كُدوحُ
فَجالَ كَأَنَّ نِصعاً حِميَرِياً
إِذا كَفَرَ الغُبارُ بِهِ يَلوحُ
فَلَمّا أَن دَنَونَ لِكاذَتَيهِ
وَأَسهَلَ مِن مَغابِنِهِ المَسيحُ
يَسُدُّ فُروجَهُ رَبِذٌ مُضافٌ
يُقَلِّبُهُ عِجالُ الوَقعِ روحُ
فَلَمّا أَخرَجَتهُ مِن عَراها
كَريهَتُهُ وَقَد كَثُرَ الجُروحُ
قَليلاً ذادَهُنَّ بِصَعدَتَيهِ
بِسَحماوَينِ ليطُهُما صَحيحُ
تَواكَلنَ العُواءَ وَقَد أَراها
حِياضَ المَوتِ شاصٍ أَو نَطيحُ
وَغادَرَ فَلَّها مُتَشَتِّتاتٍ
عَلى القَسِماتِ شامِلُها الكُدوحُ
وَأَصبَحَ نائِياً مِنها بَعيداً
كَنَصلِ السَيفِ جَرَّدَهُ المُليحُ
وَأَضحى لاصِقاً بِالصُلبِ مِنهُ
ثَمائِلُهُ كَما قَفَلَ المَنيحُ
وَأَصبَحَ يَنفُضُ الغَمَراتِ عَنهُ
كَوَقفِ العاجِ طُرَّتُهُ تَلوحُ
7- الفخر:
قال يفتخر:
عَفا رَسمٌ بِرامَةَ فَالتِلاعِ
فَكُثبانِ الحَفيرِ إِلى لِقاعِ
فَجَنبِ عُنَيزَةٍ فَذَواتِ خَيمٍ
بِها الغُزلانُ وَالبَقَرُ الرِتاعِ
عَفاها كُلُّ هَطّالٍ هَزيمٍ
يُشَبَّهُ صَوتُهُ صَوتَ اليَراعِ
وَقَفتُ بِها أُسائِلُها طَويلاً
وَما فيها مُجاوَبَةٌ لِداعي
تَحَمَّلَ أَهلُها مِنها فَبانوا
فَأَبكَتني مَنازِلُ لِلرُواعِ
دِيارٌ أَقفَرَت مِن آلِ سَلمى
رَعى سَلمى بِحُسنِ الوَصلِ راعي
ذَكَرتَ بِهِنَّ مِن سَلمى وَداعاً
فَشاقَكَ مِنهُمُ بَينُ الوَداعِ
فَإِن تَكُ قَد نَأَتكَ اليَومَ سَلمى
فَكُلُّ قُوى قَرينٍ لِاِنقِطاعِ
وَقَد أُمضي الهُمومَ إِذا اِعتَرَتني
بِحَرفٍ كَالمُوَلَّعَةِ الشَناعِ
تَرى في رَجعِ مِرفَقِها نُتوءاً
إِذا ما الآلُ خَفَّقَ لِاِرتِفاعِ
فَسائِل عامِراً وَبَني تَميمٍ
إِذا العِقبانُ طارَت لِلوِقاعِ
بِكُلِّ مُجَرَّبٍ كَاللَيثِ يَسمو
إِلى أَقرانِهِ عَبلَ الذِراعِ
عَلى جَرداءَ يَقطَعُ أَبهَراها
حِزامَ السَرجِ في خَيلٍ سِراعِ
كَأَنَّ سَنا قَوانِسِهِم ضِرامٌ
مَرَتهُ الريحُ في أَعلى يَفاعِ
غَدَونَ عَلَيهِمُ بِالطَعنِ شَزراً
إِلى أَن ما بَدَت ذاتُ الشُعاعِ
فَلَمّا أَيقَنوا بِالمَوتِ وَلَّوا
شِلالاً مُرمِلينَ بِكُلِّ قاعِ
فَكَم غادَرنَ مِن كابٍ صَريعٍ
تُطيفُ بِشِلوِهِ عُرجُ الضِباعِ
وَكَم مِن مُرضِعٍ قَد غادَروها
لَهيفَ القَلبِ كاشِفَةَ القِناعِ
وَمِن أُخرى مُثابِرَةٍ تُنادي
أَلا خَلَّيتُمونا لِلضَياعِ
وَكُلُّ غَضارَةٍ لَكَ مِن حَبيبٍ
لَها بِكَ أَو لَهَوتَ بِهِ مَتاعُ
قَليلاً وَالشَبابُ سَحابُ ريحٍ
إِذا وَلّى فَلَيسَ لَهُ اِرتِجاعُ
إعداد: عمر محمد القنطار
المراجع:
العمدة في محاسن الشعر وآدابه
ديوان الشاعر بشر بن أبي خازم