منتدى اليمامة الأدبي منتدى اليمامة الأدبي
recent

آخر الأخبار

recent
random
جاري التحميل ...

بيان الأحوال وراء ذكر الأطلال

[ إظهار ] المحتوى
بسم الله الرحمن الرحيم



أقدم بحثي القصير الأول وأضعه بين يدي الشعراء والأدباء وفيه أقدم الرأي حول موضوع الشعر وعلاقته بالتطور المزعوم، عسى أن يكون شافيا كافيا، مفيدا مجيدا.

مقدمة:

 في ظل التطور الذي شهدته الحياة من كافة جوانبها، وفي ظل ثورة التحسين والتطوير التي غزت العالم، لم يسلم الشعر من التغيير والتحديث، ومن التحوير في الأساليب والمعاني والألفاظ، فإن من واجبي كشاعر شاب دائب على إحياء تراث العرب وخاصة في مفهوم الشعر، ومنعه من الاندثار والضياع في غياهب ما يسمى  "بالشعر الحديث".
قسمت هذه الدراسة الطويلة إلى عدة أقسام، وهذا القسم هو الأول بعنوان "بيان الأحول وراء ذكر الأطلال" لأشرح فيه علاقة المحبوبة وأطلالها في تعدد الأغراض الشعرية لدى الشاعر، والهدف وراء ذكرها في كل الأعمال الشعرية الوجدانية، وكل الأقسام تنصب نحو أهمية الحفاظ على الشعر كما وصل إلينا من الماضي من عند أجدادنا وعلى رأسهم الملك الظليل وغيره من الشعراء الذين استحقوا هذا اللقب.

أولا: مفهوم الأطلال: 

هي بقايا الديار، وما تبقى من رسوم بدّدتها عوامل الطبيعة بعد رحيل أصحابها واغترابهم عنها، وقد ارتبط مفهوم "الأطلال" بالمحبوبة (علما أنه ليس حكرا عليها) لما كان الشعراء يذكرون أطلال المحبوبة أحيانًا أكثر من ذكر المحبوبة نفسها! فاستُعمِل دلالة على هجر المحبوبة وابتعادها عن عاشقها.

ثانيًا: بداية الشعر: 

لا شك أن الشعر منذ بدايته ونشأته الأولى لم يكن كما وصلنا من عند امرئ القيس، أو زهير بن أبي سُلمى وغيرهم، بل كان مقطوعات قصيرة لا تتخللها الأغراض المتنوعة، مقتصرةً على غرض واحد في كل منظومة، مثلًا: كالأراجيز (وهو الشعر المنظوم على بحر الرجز، وهو فن سابق للشعر، ويزعم بعض الرواة أن الشعر كله كان رجزًا، ويقتصر على بيت أو بيتين، أو نحو ذلك، إلى أن أطاله العجاج)
ويذهب الرواة أن امرأ القيس من أوائل من قصّد القصائد، ونسب فيها، وذكر الديار، وبكى على الشباب، ووصف الراحلة، مثلا قول امرئ القيس في معلقته الشهيرة يبكي الأطلال:

قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل
بسقط اللوى بين الدخول فحومل

أو قوله في الخيل:

مكر مفر مقبل مدبر معا
كجلمود صخر حطه السيل من علِ

أو قوله متغزلا:

مهفهفة بيضاء غير مفاضة
ترائبها مصقولة كالسجنجل

ثالثًا: الأطلال روح القصيدة:
مما لا يخفى علينا أن المحبوبة وأطلالها كانت تهيج عواطف الشاعر وتثير لواعجه المبطَّنة، فلا يلبث أن يذكر الأطلال إلا وقد هام بالمحبوبة وعادته الصبابة، فبدأ يتغزل بها، ويذكر محاسنها وصفاتها، ثم يتذكر مغامرته معها، فيشرع في تجسيدها شعرا، لكن هذه مجرد ذكريات، وأن عليه أن يصنع مجده النبيل! فيبدأ في وصف راحلته (ناقة، خيل..) ويذكر قوتها وشدة تحملها، وقد تعددت الأغراض وازدهرت كوصف الخمر والطبيعة وما إلى ذلك مما أثاره تتالي الحوادث، لكن ظل هناك خيط بسيط يربط كل هذه الأغراض مع الأطلال، وروح القصيدة ذاتها تحتم على الشاعر أن ينتقل من غرض لآخر وفق شعوره الأول الذي تحتم عليه، ألا وهو ما خلفته الأطلال والمحبوبة في ذاته المهيجة.

رابعًا: علاقة الأطلال في نشوء الشعر:
لقد أحب الشاعر العربي فتغزل، وامتلأت حياته بذكر المرأة بسبب فراغه، واتصال حياته بحياتها في الحل والترحال، ولشدة تصونها والحرص عليها؛ فكان يحدثها في اللقاء، ويتألم في الفراق ويذكر كل شيء بها، فيصفها في شعره ويتشوف إليها.
والحب (باختلاف أنواعه) هو أول حالة شعورية يمر بها الإنسان، فكان أول الشعر للمحبوبة، حتى إذا ارتحلت مسَّ الشوق نفس الشاعر، فلم يجد أمامه ما تبقى منها إلّا أطلالها.
فبدأ الشاعر العربي قصيدته بوصف الأطلال والبكاء عليها والتحسر على حالها بعد أن كانت مأنوسة، مثلا قول امرئ القيس:

ترى بعر الآرام في عرصاتها
وقيعانها كأنه حب فلفلِ

فيعود إلى ذكر المحبوبة مادحا وواصفا، وقد يقف الشاعر هنا، أصلا لأنها مناسبة القصيدة، لكن المحبوبة قد أثارت فيه العديد من العواطف (كما ذكرتُ سابقا) فيبني قصيدته كاملةً على هذا المنوال، فهو إن وصف الخيل فلأنه امتطاه أثناء رحلة بحثه عن المحبوبة، كما ذكر الشاعر:

حكَّمتُ سرج الخيلِ لي في إثرها
قيعان نوق في اضطراب مثقلِ

وهو إن وصف قراعه مع الأسد فكان من أجل المحبوبة، كما قول بشر بن العوانة العبدي:

أفاطم لو شهدتِ ببطنِ خبتٍ
وقد لاقى الهزبْرُ أخاكِ بشرا

وهو إن ذكر الطبيعة فيذكرها لوحدته ووحشته في البيداء وهو باحث عنها.

ولو لم يذكر المحبوبة لكان الشعر موحد الغرض ذا صبغة واحدة، أما وقد ذكر المحبوبة فإنه قد وضع في القصيدة كلها أغراضا هي أسباب وعواطف أثارتها الحبيبة

خاتمة:

ومما سبق نجد أنه لولا المحبوبة لما كان شعر بل كان اقتصر -كما ذكرت- على الأراجيز وغيرها من الفنون القديمة التي كانت تبرز عواطف البدوي الجافة الميتة فكانت تخرج نتفا بسيطة اندثر معظمها.
وهنا نجد أهمية المحبوبة والأطلال في بناء القصيدة الطويلة العمودية، وهذه أحد الأسباب التي تدعو إلى الحفاظ على الشعر العربي كما كان عليه، وإن دعت الحياة المتطورة أن يتطور الشعر أيضا فذلك يكون ضمن الحياة الحالية مما يبقي على عمودية الشعر وهدف القريض السامي والنبيل.

-تم بعون الله إنهاء الجزء الأول "بيان الأحوال وراء ذكر الأطلال" من مجموعة الأجزاء التي تسعى كلها إلى إبراز ضرورة الحفاظ على الشعر، فهو واجب على كل عربي سواء كان شاعرا أم لم يكن ليحافظ على موروثه الثقافي العظيم الذي تميز به العرب عن سائر شعوب العالم.




قيس الحسين  2002 شاعرٌ عربي من سويداء سوريا حذا حذو أجداده الجاهليين في شعره ملمٌّ بالعروض والقوافي وساعٍ للعلم والمجد منذ صغره. 



                               

عن الكاتب

منتدى اليمامة الأدبي في ظل فساد الشعر الحديث،وتفشّي المعنى الهزيل، وغلبة سوء الصنعة، وخيبة من يسعى.. ويسعى، فإن من واجبنا كشعراء ونجباء، نشر ثقافة العرب، وإحياء الشعر والخطب، فكان من توفيق أحوالنا، ونجاح أعمالنا، إنشاء "منتدى اليمامة الأدبي" جامع صنَّاع الشعر، ورافضي مجانسة القريض بالنثر، فكان من أغراض منتدانا: المعارضات والسجالات، والوصف والمجاراة، والتحدي بمدح وهجاء، وتنسيب ورثاء، وتعزيز ثقافة الشعراء بعلمي العروض والقافية، وكلّ معلومة شافية، ومنها الأخذ بالأسباب والأوتاد، والفواصل والأعداد، والخرم والخزم، والخبل والخزل، والإقواء والإصراف، وما تبقى من الأعراف، ومسابقات عديدة، من الجديدة المفيدة.

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

الانتساب للمنتدى

لو كنت شاعراً موهوباً أو مبتدئاً أو كنت تحب تعلم الشعر وتريد تنمية موهبتك مع شعراء اليمامة وتريد إيصال فكرتك من خلال قصائدك يمكنك الانتساب للمنتدى بكل سهولة من خلال تقديم طلب الانتساب.

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

جميع الحقوق محفوظة

منتدى اليمامة الأدبي