هل يجوز إشباع العروض؟
مقدمة:
لما كان للشعر مكانته السامية، بين الفنون على العموم وعند العرب خاصة، ولما كان الشعر ديوان العرب وراوي أخبارها ومخلد مفاخرها وكان علمها الذي لا يفوقه علم عندهم كان لعلم العروض والقافية أهمية لا تُنكر
أهمية ليست خافية على عالم بالشعر، ذلك لأن الكلام شعر ونثر وما يميز الشعر عن النثر هما الوزن والقافية وإن معرفة سلامة الوزن لا يكون إلا بدراسة علم العروض وعلم القافية
ولعل من يدرس علم العروض لا بد أن يتعرف على الكتابة العروضية (اي إثبات الحرف الملفوظ والتجاوز عما لا يُلفظ) ومن هنا يتعرف الدارس على الإشباع وهو إثبات حرف ساكن في نهاية الكلمة ففي قولك (همُ) تُشبع الميم في العروض فتُكتب الكلمة عروضيا (همو) وكذلك في قولك (منهُ) تُكتب (منهو) وهكذا
ولعل أشهر أماكن الإشباع هو نهاية البيت الشعري فتقول
أبا هند فلا تعجل علينا
وأنظرنا نخبرك اليقينا
فالنون تُشبع في نهاية البيت بألف
ومثله القول
لشعثاء التي قد تيمتهُ
فليسَ لقلبهِ منها شفاءُ
فالهمزة في نهاية البيت أشبعت بالواو
وكذلك تقول
لمن الديار ببرقة الروحانِ
إذ لا نبيع زناننا بزمانِ
فالنون في نهاية البيت أُشبعت بالياء
وهكذا فإن الحرف في نهاية البيت يُشبع بالحرف المناسب لحركته لأن العرب لا تقف على متحرك فيُمد الصوت في نهاية البيت حتى نصل لساكن
وهنا حق لنا أن نسأل
هل الإشباع في نهاية الشطر الأول (اي في العروض) جائز جواز الإشباع في نهاية البيت الشعري (أي قي الضرب)
وإنك لو عدت لكتب العروض لوجدت ما يأتي
ففي كتاب "المنجد" تجد الكاتب يقول:
"وعلى سبيل المثال يمكننا تقسيم البيت التالي بحسب قراءته
وإذا كانت النفوس كباراً
تعبتْ في مرادها الأجسامُ
....
ونلاحظ أم الميم في آخر البيت قد أشبعت فقرأناها (مو) وهذا يحدث في الحرف المتحرك في نهاية كل شطر من شطري البيت"
وهكذا فكتاب المنجد يجيز الإشباع في نهاية الشطر
ثم تجد كتاب" المرشد الوافي في العروض والقوافي " يقول:
" لما كانت العرب لا تقف على متحرك فهم يمدون آخر الصدر وآخر العجز حتى التسكين"
وهكذا فكتاب المرشد الوافي في العروض والقوافي يجيز الإشباع في الصدر جوازه في العجز
والصدر هو الشطر الأول من البيت أما العجز فهو شطره الثاني
ثم إنك إذا ذهبت بكتاب "العروض وموسيقا الشعر" وجدت يقول:
" الحرف المتحرك في آخر العروض وآخر الضرب تُشبع حركته"
ولو أكملت التقصي في كتب العروض وجدت إجماعا على جواز الإشباع في العروض
لكن إن قال قائل
أفلا تمثل لنا ببيت من الشعر القديم - لما كان القدماء خير من يحتج بهم ويُمثل من أشعارهم - تُكون العروض مشبعة فيه؟
فإنك لو بحثت حتى تجيب عن السؤال لما كدت تجد بيتا أُشبعت فيه العروض إلا كان مصرعا
ثم تسأل "لماذا لم تُشبع العروض في أشعار القدماء آلا وكان البيت مصرعا؟!" فما الرابط بين الإشباع والتصريع؟
ثم إن كان الشعراء القدماء لم يُشبعوا عروضا بغير تصريع إلا ما جاز إشباعه في الحشو كالهاء وميم الحنع فهل يجوز لنا أن نشبع العروض في بيت غير مصرع في غير تلك الحالات ؟
وإنك لو أعطاك المثال وحيرتك المفارقة بين قاعدة يقرها علماء العروض وبين فقد المثال وعدم اتباع الشعراء لها وجدت الكلام الفصل في كتاب "العمدة في محاسن الشعر" لابن رشيق القيرواني إذ يقول
"والتصريع يقع فيه من الإقواء والإكفاء والإيطاء والسناد والتضمين ما يقع في القافية: فمن الإقواء ما
أنشده الزجاجي، وهو قول بعضهم:
ما بال عينك منها الماء مهراق
سحاً فلا غارب منها ولا راقي
ومن الإكفاء قول حسان بن ثابت، وأنشده الجاحظ:
ولست بخير من أبيك وخالكا
ولست بخير من معاظلة الكلب
ومن الإيطاء قول عبد االله بن المعتز:
يا سائلاً كيف حالي
أنت العليم بحالي
ومن السناد قول إسماعيل بن القاسم أبا العتاهية:
ويلي على الأظعان ولوا
عني بعتبة فاستقلوا
ومن التضمين قول البحتري:
عذيري فيك من لاح إذا ما
شكوت الحب قطعني ملاما"
فتعلم من قول ابن رشيق أنه عند إشباع العروض بحرف مخالف للضرب تقع في الخطأ وليس الخطأ حقيقية في الإشباع نفسه بل في وقوع الإكفاء في التصريع المتوهم
فإنك حين تسمع نهاية الشطر في قول حسان " خالكا" تحسب أنه سيتابع بتصريع فيقول" حالكا، مالكا، سالكا" إلا أن هذا لا يحصل بل ينتهي الشطر الثاني بقوله "الكلبِ" فيحدث خلل في انسجام البيت لتوهم السامع للتصريع ثم مخالفة ذلك.
وخلاصة القول:
إن إشباع العروض في غير بيت مصرع أو حرف مما يحوز إشباعه في الحشو جائز في عام العروض لأنه لا يخل في وزن البيت الشعري ولا يخالف قواعد العروض إلا أنه يوقع الشاعر في عيب في التصريع فهو غير جائز في علم القافية فهو عيب في الشعر.
عمر القنطار